للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى أنه لم يفز أحد من زعماء الأندلس ببغيته إلا من دخل في هذه الدعوة، وأن من خرج عليها منهم، كان جزاؤه سوء المنقلب، ثم يدعوه إلى المبادرة إلى الاعتبار، ويلومه بما كان منه في حق أهل بلنسية " حينما أظهروا كلمة التوحيد " وكذلك أهل لورَقهّ " حينما ظهر إخلاصهم " (١).

وقد كان هذا فيما يبدو، أول احتكاك بين ابن سعد وبين الموحدين.

وقد كان الموحدون يعتقدون أنهم سوف يجدون في شرقي الأندلس، نفس الطراز من الزعماء الثائرين، الذي لقوا في غربي الأندلس، يعبرون البحر إليهم، ويلتمسون إلى خليفتهم العون والإمداد، ولكن هذا الأمل لم يتحقق في ابن مردنيش، وهو سوف يغدو منذ الآن فصاعداً، ألد خصومهم، وأصلبهم عوداً، وأرسخهم عزماً، في مقاومة الدعوة الموحدية في شبه الجزيرة.

وفي أواخر سنة ٥٤٧ هـ (أواخر ١١٥٢ م) تقدمت القوات الموحدية من أنتقيرة، وكذلك من الفرنتيرة نحو مالقة، واستولت عليها، وذلك عقب مصرع صاحبها المتغلب عليها القاضي أبى الحكم بن حسون، وتم لهم بذلك الاستيلاء على كورة ريّة كلها.

وكانت سنة ٥٤٩ هـ (١١٥٥ م) سنة مليئة بالأحداث الهامة بالنسبة للموحدين والدولة الموحدية. ويمكننا أن نعتبر أن أهم حادث وقع فيها، هو إسناد عبد المؤمن ولاية عهده لولده البكر محمد. ونحن نعرف أن الدولة الموحدية، قامت على أسس دعوة دينية، وأن عبد المؤمن، حينما أتيح له أن يجتني تراث المهدي ابن تومرت، لم يكن قيامه في الخلافة نتيجة وراثة أو ولاية عهد، وإنما كان في الظاهر على الأقل نتيجة لاختيار مختلف القبائل والطوائف الموحدية، وتفضيلها لعبد المؤمن، بالرغم من كونه لم يكن من قبيلة المهدي، لخلاله ومقدرته، ولأنه كان بالنسبة للمهدي، أوثق أصحابه وتلاميذه صلة به، وآثرهم لديه. ولكن الحوادث تطورت منذ وفاة المهدي، تطوراً عميقاً، وقام عبد المؤمن في قيادة الدولة الموحدية الناشئة بأعظم دور، وأبدى في مصارعة خصومها وفي توطيد دعائمها مقدرة فائقة، وأضحى عاهلها القوي يقود مصايرها بعزم لا مثيل له، وحوله تلتف سائر الزعامات الموحدية، تحبوه بمطلق تأييدها وطاعتها.


(١) راجع رسائل موحدية التي سبقت الإشارة إليها، الرسالة العاشرة ص ٣٦ و ٣٧. وقد نشرت هذه الرسالة أيضاً في صبح الأعشى ج ٦ ص ٤٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>