على بياسة وأبدة من النصارى، وبذلك امتد سلطان الموحدين إلى أواسط الأندلس، ولم يبق بيد المرابطين سوى مدينة غرناطة، التي استطاعوا أن يحتفظوا بها بضعة أعوام أخرى.
- ٣ -
وفي تلك الآونة بالذات، حدثت في شرقي الأندلس عدة حوادث هامة، أولها قيام محمد بن سعد بن مردنيش في بلنسية ومرسية، وبسطه لسيادته على شرقي الأندلس (٥٤٢ هـ)، ومحالفته للنصارى؛ وثانيها سقوط القواعد الإسلامية الباقية من الثغر الأعلى في أيدي النصارى، وهي طرطوشة ولاردة وإفراغة ومكناسة (٥٤٣ - ٥٤٤ هـ). وقد كان من الواضح منذ البداية، ان ابن مردنيش، وهو يمثل الفكرة القومية الأندلسية، سوف يخوض مع الموحدين صراعاً لا هوادة فيه، وهو قد بدأ هذا الصراع بالفعل، مذ شعر بتوطد سلطانه واجتماع قواته، فسار إلى بسطة، ووادي آش، وانتزعهما من صاحبهما ابن ملحان الطائي في سنة ٥٤٦ هـ (١١٥٣ م) وذلك حسبما فصلنا من قبل. وهكذا امتدت أملاك ابن مردنيش إلى مقربة من جيان، التي كانت يومئذ قاعدة موحدية.
بيد أنه وقعت في نفس هذا العام في بلنسية وابن مردنيش بعيد عنها، ثورة داخلية، انتهت بقيام زعيم يدعى أبا مروان عبد الملك بن شلبان في حكمها. فارتد ابن مردنيش بقواته ليحاصر بلنسية مدى حين. ولم يشر إلى قيام هذه الثورة، ويقدم إلينا بعض تفاصيلها سوى ابن الأبار (١). بيد أن هنالك نص آخر يشير إليها من زاوية أخرى، وهو عبارة عن رسالة موحدية، بعث بها الخليفة عبد المؤمن إلى " الشيخ أبى عبد الله محمد بن سعد " من حضرة مراكش مؤرخة في ١٦ جمادى الآخرة سنة ٥٤٨ هـ. والظاهر من نص هذه الرسالة، أن هذه الثورة التي كانت في بلنسية ضد محمد بن سعد، كانت تعلن " التوحيد " شعاراً لها، وأن ابن مردنيش، حينما تم له اقتحام بلنسية، وإخضاع الثورة، قد نكل بالثوار، ولاسيما الذين أبدوا ميلهم للدعوة الموحدية. كذلك يبدو من هذا النص أن أهل مدينة لورقة قد أبدوا نفس الميل إلى الدعوة الموحدية، وأن ابن سعد قد نكل بهم أسوة بما فعله بأهل بلنسية، ويدعو الخليفة عبد المؤمن في رسالته ابن سعد إلى اعتناق أمر المهدي، والدخول في الدعوة الموحدية، ويلفت نظره
(١) هذا ما ورد في التكملة (القاهرة) - الجزء الثاني - رقم ١٣١٣ و ١٣٩٤.