ونحن نذكر أن عبد المؤمن، بعد أن أتم فتح بجاية، وقضى على ثورة العرب في إفريقية، وعلى ثورة القبائل الخارجة في أرض السوس وغيرها، غادر مراكش إلى تينملل، فزار قبر المهدي، وأمر ببناء مسجدها وتوسيع خططها، ثم سار منها إلى سلا، لإصلاح خططها أيضاً، وليتم المنشآت التي بدأها في عدوتها الرِّباط، وكان ذلك في أوائل أواسط سنة ٥٤٩ هـ. ففي تلك الفترة، وقعت تولية عبد المؤمن لولده أبى عبد الله محمد لولاية العهد. ولم يقدم لنا البيذق وهو المؤرخ المعاصر وشاهد العيان، أي تفصيل عن هذا الحادث الجلل، في تاريخ الدولة الموحدية، مكتفياً بالإشارة إليه في بضع كلمات (١). بيد أنه يستفاد من مختلف التفاصيل، التي وردت في رسائل الخليفة عبد المؤمن ذاته، أن هذا التعيين قد اتخذ سبيل الشورى والاختيار من جانب الموحدين، فهو يقول في رسالته التي وجهها عن هذا الموضوع إلى أهالي سبتة وطنجة، ومن بها من الطلبة والأشياخ والموحدين، إن أولياء هذه الدعوة من القبائل والعشائر الشرقية المختلفة، العربية والصنهاجية، تقدموا باقتراحهم ورغبتهم في هذه البيعة بولاية العهد، وبعثوا إليه بذلك مراراً وتكراراً، وأنهم لما وفدوا عليه بسلا، أبدوا رغبتهم صراحة، واختاروا لذلك ولده محمداً بالذات، ورغبوا إليه في أن يتولى هو حكم بلادهم، وأنه أي عبد المؤمن لم يكن له في ذلك كله قصد ينويه، وأنه رأى بعد استخارة الله تعالى، أن يجمع حوله بسلا شيوخ الموحدين وطلبتهم وعمالهم، وأن يشاورهم في هذا الأمر. وتقدمهم الشيخ الأجل أبو حفص عمر ابن يحيى، وأكد أنهم هم المتقدمون بذلك، وأنهم يرون وجوبه وتنفيذه، وأنهم هم السابقون إلى مبايعته على حدود الشرع ورسومه، وأكد سائر الطلبة والفقهاء ما تقدم، واتفقوا جميعاً على وجوب تحقيقه، " لأن فيه من إبقاء الأمر في نصابه، وإتيان الحق من أبوابه، واتباع الدين من أخلاّئه وأحبابه، وقطع كل منافق مرتاب عن أسباب نفاقه وارتيابه، والنظر فيما يجمع كلمة الموحدين، ويضم شمل المؤمنين، بأوائل هذا القصد الصالح وأعقابه، ما ابتنى عليه اتفاقهم وإصفاقهم، واسترسل فيه تعيينهم وإطلاقهم ". ثم يزيد عبد المؤمن على ذلك، بأن ذلك لم يكن له في نفسه " عقد سابق، ولا نظر لاحق، وأنه لما رأى اتفاق كلمة الموحدين على ربط هذا الأمر وعقده، استخار الله في الاتفاق