الكفاية والمقدرة، وقد استعرضنا فيما تقدم مراحل حياته، وما وليه من مختلف المناصب، وما ساهم به في محاربة النصارى، ولاسيما موقعة إفراغة (٥٢٨ هـ) التي أحرز فيها المرابطون نصرهم الباهر على ألفونسو المحارب. ويلخص لنا ابن الخطيب خلاله في قوله:" كان بطلا شهماً، حازماً، كثير الدهاء والإقدام، والمعرفة بالحروب، مجمعاً على تقدمه ". أما أخوه الأصغر محمد بن علي بن غانية، فقد ولي حكم الجزائر الشرقية منذ سنة ٥٢٠ هـ، أيام علي بن يوسف، ولبث على ولايتها مدة طويلة حتى تعثرت أحوال الدولة المرابطية، وانهارت دعائمها، فاستقل بحكم الجزائر. وكان لعقبه بها دولة، استمرت دهراً حصناً للدعوة المرابطية، ومركزاً للكفاح المرير ضد الدولة الموحدية.
وكان ملك قشتالة في تلك الأثناء، يرقب الحوادث، ويتربص الفرص.
فما كاد ابن غانية، يتخلى للموحدين عن قرطبة، ويغادرها إلى غرناطة، حتى زحف القشتاليون على عاصمة الخلافة القديمة، والظاهر أنها كانت عندئذ بلا دفاع، أو كانت لديها حامية صغيرة، لا تستطيع دفعاً للنصارى، فدخلها القشتاليون للمرة الثانية خلال عامين، وذلك فيما يبدو في جمادى الثانية أو رجب سنة ٥٤٣ هـ (نوفمبر أو ديسمبر سنة ١١٤٨ م). بيد أنه كان احتلالا قصير الأمد، ذلك أن الموحدين مذ حصلوا على موافقة ابن غانية، على التخلى لهم عن قرطبة، لم يفتهم أن النصارى، وهم على مقربة منها في حصن أندوجر، يرقبون الفرصة لاحتلالها، ومن ثم، فإن برّازاً المسّوفي والي إشبيلية، جهز في الحال حملة موحدية بقيادة أبى الغمر بن عزون صاحب شريش، تؤازرها قوة أخرى بقيادة يوسف البطروجي، صاحب لبلة، وكتب إلى الخليفة عبد المؤمن في نفس الوقت لإمداده بالعساكر، فبعث إلى الأندلس على وجه السرعة، جيشاً موحدياً بقيادة أبى زكريا يحيى يومور. وزحفت العساكر الموحدية صوب قرطبة، فلما شعر ملك قشتالة بوفرة القوات الموحدية الزاحفة، لم يرد أن يشتبك وهو بعيد عن قواعده ومملكته، في معارك لا تؤمن عواقبها، فغادر قرطبة في قواته لأيام قلائل من احتلالها، ودخل الموحدون قرطبة، وبسطوا سلطانهم عليها، وذلك في شهر رجب أو شعبان سنة ٥٤٣ هـ. ولم تمض أشهر قلائل على ذلك حتى احتلوا مدينة جيان، بعد أن لبث القشتاليون يهددونها حيناً، ويحاولون احتلالها (١). ثم استولوا