للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحن أناس قد حمتنا سيوفنا ... عن الظلم لما جرتم بالمظالم (١)

وكان ابن المنذر، وقد فصلنا أخباره فيما تقدم، رجلا قوي الشكيمة لا تؤمن عواقبه، وكان الموحدون بالرغم من تمسكه بدعوتهم، يخشون انتقاضه وتقلباته، وكان سيدراي بن وزير من جهة أخرى يطمح بعد مصرع ابن قسي إلى احتلال شلب وضمها إلى أملاكه، ومن ثم فإنه لم يمض سوى قليل على ولاية ابن المنذر، حتى سار إلى شلب وتغلب عليها، وذلك حسبما فصله ابن صاحب الصلاة في كتابه " ثورة المريدين "، وهو مؤلف لم يصل إلينا. ولم يعترض الموحدون على هذا التغيير في رياسة شلب، ولكنهم خشوا أن يعود ابن المنذر الأعمى، إلى الثورة مرة أخرى، فنقلوه إلى إشبيلية ليقيم بها تحت رقابتهم. وبعد حين غادرها ابن المنذر، وعبر البحر إلى المغرب، وقصد إلى سلا، وأقام بها حتى توفي في سنة ٥٥٨ هـ.

وكذا كان ابن المنذر، مثل زميله ابن قسي، عالماً وأديباً شاعراً، وقد نقل إلينا ابن الأبار طائفة من نظمه، فمن ذلك قوله يخاطب وزيره أبا بكر ابن المنخل، وقد كان أيضاً من شعراء الغرب في هذا العصر:

لئن غض منك الدهر يوماً بأزمة ... فحسبك أن تلقي وأنت مبور

فليس أساً يبقى وإن جل مثل ما ... على كل حال لا يدوم سرور

أيوجد في الدنيا من الناس صاحب ... إذا أعرضت أبقى لداك عسير

طلبت عزيزاً لا ينال فإن يكن ... فإن أبا بكر بذاك جدير

رضيت به حظاً من الناس كلهم ... فما بعده حرٌّ إليه نُشير (٢)

- ٢ -

نعود الآن بعد أن استعرضنا تطور الحوادث في غربي الأندلس، وما انتهت إليه من بسط الموحدين لسلطانهم عليه، منذ إشبيلية حتى شلب في قاصية ولاية الغرب، إلى تتبع الحوادث في وسط الأندلس.

تركنا قرطبة، وقد استعاد الأمير يحيى بن غانية المرابطي سلطانه عليها، بمؤازرة القيصر ألفونسو السابع ملك قشتالة، وغادرها زعيمها السابق القاضي


(١) راجع الحلة السيراء ص ٢٠٠ و ٢٠١ و ٢٠٤، وأعمال الأعلام ص ٢٥١ و ٢٥٢.
(٢) الحلة السيراء ص ٢٠٤ - ٢٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>