بن حمدين، بعد أن تخلى عن مؤازرته النصارى لما رأوه من تقدم الموحدين في ولاية الغرب، واستيلائهم على إشبيلية، واضطرارهم بذلك إلى مهادنة ابن غانية، وحماية سلطانه على قرطبة (أوائل سنة ٥٤١ هـ). وكان ألفونسو السابع يرى بحق، أن ابن غانية يمثل آخر ما تبقى من سلطان المرابطين في شبه الجزيرة، وأنه أضحى رمز المقاومة لزحف الموحدين إلى أواسط الأندلس، وكان ابن غانية يشعر بكثير من المرارة، أنه أضحى في الواقع تابعاً لملك قشتالة، وأن مصيره في قرطبة وفي الأندلس أضحى رهيناً بمشيئته. واستمر ابن غانية عدة أشهر أخرى يصانع النصارى، وملك قشتالة يشتط في مطالبه ورغباته، ويضيق عليه في تصرفاته. وأخيراً استدعاه ألفونسو إلى حصن أندوجر، وكان حاكمه، وهو رجل يعرف بالعربي، منضوياً تحت لواء النصارى، فسار ابن غانية إلى أندوجر، وهناك طالبه ملك قشتالة، بالتنازل له عن بيّاسة وأبّده، لقاء الاستمرار في محالفته وحمايته، فاضطر ابن غانية إلى القبول والتخلي عن هاتين القاعدتين الهامتين. ثم عاد ملك قشتالة فطالب ابن غانية، بالتخلي له عن مدينة جيّان، أو مضاعفة الجزية المفروضة عليه. والظاهر أن ابن غانية وعد ملك قشتالة، بإجابة مطلبه واستمهله بعض الوقت. واتصل في نفس الوقت سراً، ببراز بن محمد المسّوفي والى إشبيلية الموحدي، وكان حسبما تقدم من القادة المرابطين السابقين، واجتمع الإثنان خفية بمدينة إستجة، واتفقا على أن يقوم ابن غانية بتسليم قرطبة وقرمونة للموحدين. ويقول لنا ابن الخطيب بأن ابن غانية وصله خطاب عبد المؤمن " بما أحب " دون أن يوضح لنا ما الذي طلبه ابن غانية مقابل هذا التخلي، وربما كان ذلك هو معاونة الموحدين له على الاحتفاظ بجيان. ومن ثم فإنه لما بعث ملك قشتالة سفراءه إليه يطالبونه بالتعجيل بتسليم جيان، قبض عليهم وبعثهم إلى قلعة بني سعيد (قلعة يحصب) فاعتقلوا بها تحت حراسة مشددة، واضطر النصارى إلى الإفراج عن جيان (١). وعلى أثر ذلك غادر ابن غانية قرطبة إلى غرناطة، وهي آخر ما بقي للمرابطين من القواعد في شبه الجزيرة، وذلك في جمادى الثانية سنة ٥٤٣ هـ، وكان يمتنع بها واليها ميمون بن يدِّر اللمتوني مع جماعة من قادة المرابطين.
(١) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٣٥، والإحاطة (مخطوط الإسكوريال السالف الذكر) لوحة ٢٧٢ في ترجمة عبد الملك بن سعيد. ولوحة ٣٩٢ في ترجمة ابن غانية.