للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن وزير صاحب باجة ويابرة، إلى لقائه، ولم يتخلف منهم سوى ابن قسي صاحب شلب وميرتلة (١). وكان ابن قسي، حينما رأى تقدم الموحدين في أنحاء الغرب، وانضواء زعمائه تحت لوائهم، قد خشى البادرة على نفسه، وهو لم يكن حين أعلن طاعته للموحدين لأول مرة، مخلصاً لهم، ولا مؤمناً بدعوتهم، وإنما كان مقصده فقط أن يستعين بهم، وأن يأمن سطوتهم، فلما رأى أنه عاجز عن مقاومتهم، بعد أن خضع كل زملائه زعماء الغرب، تحول إلى النصارى، وبعث إلى ألفونسو هنريكيز ملك البرتغال، وهو الذي تسميه الرواية العربية بابن الرنق وابن الرنك (٢) يناشده التحالف والعون، فاستجاب ألفونسو إلى دعوته، وبعث إليه بفرس من أفراسه، وترس ورمح، ووعده بالعون المنشود، فلما رأى أهل شلب تحول ابن قسي إلى النصارى، سخطوا عليه، ودبروا مؤامرة للتخلص منه، بزعامة ابن المنذر الأعمى، زميل ابن قسي وحليفه السابق، وكان الموحدون قد أطلقوا سراحه من سجن بطليوس، فعاد إلى شلب وأقام بها، حسبما تقدم، وشغل المتآمرون الحسين ولد ابن قسي بنزهة أعدوها له، ثم احتالوا على دخول القصر، وهو المسمى بقصر الشراجب، واقتحمت طائفة منهم الحصن، وفتكوا بابن قسي، ورفعوا رأسه على الرمح المهدي إليه من ملك النصارى، ونصبوا مكانه لرياستهم ابن المنذر، معلنين ولاءهم للدعوة الموحدية، وذلك في جمادى الأولى من سنة ٥٤٦ هـ (سبتمبر ١١٥١ م)، وبذلك انتهت رياسة ابن قسي، ورياسة المريدين الذين كانوا أول من أعلن الخروج والثورة على المرابطين في ولاية الغرب.

وكان ابن قسي عالماً ضليعاً، ولاسيما في علم الكلام والتصوف، وشاعراً جزلا. وقد أورد لنا ابن الأبار طائفة من نظمه. فمن ذلك قوله يشيد بثورته:

وما تدفع الأبطال بالوعظ عن حمى ... ولا الحرب تطفأ بالرّقا والتمائم

ولكن ببيض مرهقات وذبّل ... موازدها ماء الطلى والغلاصم

ولا صلح حتى نطعن الخيل بالقنا ... ونضرب بالبيض الرقاق الصوارم


(١) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٣٥.
(٢) ويسميه ابن الأبار بابن الريق (الحلة السيراء ص ٢٠٠). ويسميه ابن الخطيب بصاحب قلمرية Coimbra، وقد كانت يومئذ عاصمة إمارة البرتغال الناشئة (أعمال الأعلام ص ٢٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>