للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إشبيلية إلى بلده، وأخرج الموحدين منها، ونقض الطاعة، وتحالف مع فلول المرابطين. وكذا فعل أهل طلياطة، وحصن القصر. ثم خرج على الطاعة ابن قسي صاحب شلب، وابن ميمون صاحب قادس، ومحمد بن الحجام صاحب بطليوس، ولم يثبت على طاعة الموحدين سوى ابن عزون صاحب شريش وولده.

ولنلاحظ أن خروج أولئك الزعماء عن طاعة الموحدين، قد وقع في نفس الوقت الذي اضطرمت فيه بالمغرب ثورة الماسي ضد الموحدين (٥٤٢ هـ)، ولاح مدى حين أنها تهدد سلطانهم ودولتهم. وانتهز يحيى بن غانية فرصة هذا الاضطراب الذي ترتب على سوء تصرف الموحدين، وسخط زعماء الغرب على حكمهم، فبعث قوة من المرابطين، تغلبت على الجزيرة الخضراء، مدخل شبه الجزيرة، وتردد صدى ذلك في سبتة، فخلع أهلها الطاعة، بزعامة عميدها القاضي عياض السبتي، وقتلوا واليها يوسف بن مخلوف التينمللي ومن معه من الموحدين، وتولى أمرها يحيى بن أبى بكر الصحراوي، وذلك حسبما فصلناه في موضعه. وفي خلال ذلك ساءت الأحوال في إشبيلية وغادرها عبد العزيز وعيسى أخوا المهدي ومن معهما من الموحدين، ولحقا بحصن ببشتر من معاقل ابن عزون، تم سارا ومعهما ابن عزون في قواته، وحاصروا الجزيرة حتى افتتحوها، وقتلوا من بها من المرابطين. ثم عبر عبد العزيز وعيسى البحر بعد ذلك إلى المغرب ولحقا بمراكش حيث كان من أمرهما ومصيرهما ما سبق ذكره في أخبار الخوارج على عبد المؤمن (١).

ولما علم عبد المؤمن بما حدث في إشبيلية وغربي الأندلس، بادر فبعث جيشاً من الموحدين إلى شبه الجزيرة، بقيادة يوسف بن سليمان، وندب برّازاً ابن محمد المسّوفي لشئون الجباية بالأندلس. وسار يوسف في قواته أولا إلى لبلة، حيث قضى على ثورة البطروجي وأخضعه، وتلا ذلك إخضاعه لطلياطة، وحصن القصر. ثم سار إلى قاصية الغرب، فأخضع مدينة طبيرة، وأعلن صاحبها عامل ابن مهيب الطاعة، وأعلن علي بن عيسى بن ميمون صاحب شنتمرية الغرب وقادس كذلك عودته إلى الطاعة، وحذا حذوه محمد بن علي بن الحجام صاحب بطليوس، وبعث بطائفة من الهدايا الفخمة برسم الخليفة عبد المؤمن، فقبلت وكان لها وقع حسن. ولما دعيت وفود الأندلس إلى مقابلة الخليفة عبد المؤمن، وهو بسلا في سنة ٥٤٥، سار زعماء الغرب، الذين تقدم ذكرهم وفي مقدمتهم سيدراي


(١) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>