بسبتة. وفي سنة ٤٧٤ هـ زحف يوسف على المغرب الأوسط، واستولى على مدينة وجدة، ثم استولى على تلمسان ووهران، واستمر في سيره المظفر حتى تونس فافتتحها، واستولى بذلك على سائر شواطىء المغرب وثغوره الشمالية، وقضى على سلطان سائر الأمراء المحليين الذين كانوا يقتسمون المدن والثغور يومئذ، وشمل سلطانه جميع الأقطار الغربية، حتى تونس شرقاً وحتى المحيط الأطلنطي غرباً، ومن البحر المتوسط شمالا حتى حدود السودان جنوباً (١).
وهكذا قامت الدولة المرابطية الكبرى، وأقامتها عبقرية رجل واحد، وهو يوسف بن تاشفين، بعد أن وضع أسسها الأولى فقيه متعصب هو عبد الله ابن ياسين، واستحالت بسرعة على يد أبي بكر اللمتوني ثم يوسف من بعده، من زعامة دينية محلية، إلى ملك سياسي ضخم. وقد ذكرت لنا الرواية عن هذا الزعيم الموهوب والجندي العظيم بعض معلومات خلاصتها، أنه أبو يعقوب يوسف بن تاشفين بن ابراهيم بن ترقوت بن وارتقطين بن منصور بن مصالة ابن أمية الحميري الصنهاجي اللمتوني، فهي بذلك تنسبه إلى حمير، وأمه حرة لمتونية اسمها فاطمة بنت سير بن يحيى. وقد ولد بالصحراء في سنة ٤٠٠ هـ (١٠٠٩ م). بيد أننا لا نعرف شيئاً عن حياته ونشأته الأولى، وتذكره لنا الرواية لأول مرة في سنة ٤٤٨ هـ، حينما ندبه الأمير أبو بكر اللمتوني ليكون قائداً لجيش المرابطين الزاحف لغزو المغرب. وكان يوسف يومئذ في الثامنة والأربعين من عمره. ومن ذلك التاريخ فقط، تتبع الرواية أعمال يوسف وفتوحه العظيمة المتعاقبة. وهي التي فصلناها فيما تقدم. وتنوه الرواية بورع يوسف وزهده، وبساطته وتواضعه، فقد كان بالرغم مما أتاه الله من بسطة في الملك والنعم، آية في التقشف، يرتدي الصوف طول حياته، ولا يرتدي سواه قط، ولا يأكل سوى الشعير ولحوم الإبل وألبانها. وكان بطلا شجاعاً حازماً، مهيباً، دائب التفقد لبلاده وثغوره، وأحوال رعيته، مجاهداً لا يفتر عن متابعة الجهاد، منصوراً مظفراً في معظم الوقائع التي خاضها، جواداً كريماً عادلا رفيقاً، ينأى عن إرهاق رعيته بالمغارم المحرمة، ولا يفرض منها إلا ما يجيزه ْالشرع، من الزكاة والأخماس والأعشار، وجزية أهل الذمة. وأما عن شخصه،