له أمل في انتزاع شىء مما في يده. بيد أنه يبدو لنا على ضوء رواية ابن أبى زرع وابن خلدون أن مقدم أبى بكر إلى المغرب كان قبل ذلك بقليل. ذلك أن زينب النفزاوية زوجة يوسف، لعبت دوراً في لقاء الرجلين. وقد توفيت زينب في سنة ٤٦٤ هـ. وخلاصة هذه الرواية أن يوسف شعر عند مقدم أبى بكر بدقة الموقف، وما يتهدد سلطانه، فاستشار زوجه زينب النفزاوية في الأمر، وكانت إلى جانب جمالها من أعقل نساء زمانها، وأبعدهن نظراً، وكان مذ تزوجها يرجع إليها في عظائم الأمور، ويعتمد على نصحها، وذكائها، وحسن سياستها فأشارت عليه بأن يستقبل أبا بكر بالجفاء والغلظة، ويشعره بقوة السلطان والاستبداد، ويلاطفه مع ذلك بالهدايا والطعام والخلع بما يصلح للصحراء. وسار يوسف للقاء أبي بكر، فالتقيا بموضع بين أغمات ومراكش. وشعر أبو بكر مما أبداه يوسف، ومن تعاليه في السلام عليه وهو راكب فرسه، أنه حريص على سلطانه، مستعد للدفاع عنه، وزهد في التنافس والقتال، وأوصى يوسف باتباع العدل والرفق، ثم ودعه وعاد إلى الصحراء، وقد زوده يوسف بطائفة عظيمة من الهدايا الجليلة، من المال والخيل والبغال والأسلحة المحلاة بالذهب، والجواري والثياب الفاخرة والمؤن والدواب، وهنالك استأنف الجهاد والغزو حتى قتل في بعض غزواته وذلك في سنة ٤٨٠ هـ (١٠٨٧ م)(١).
وقضى يوسف أعواماً أخرى في إتمام فتح المغرب، حتى سيطر على معظم نواحيه، ودوخ سائر قبائله. وفي سنة ٤٧٠ هـ (١٠٧٧ م) نراه وقد أشرف على طنجة، وانتزعها من يد صاحبها الحاجب سكوت (أوسواجات) البرغواطي وهو في نفس الوقت صاحب سبتة. وكان سكوت من موالي بني حمود، وقد ولى حكم سبتة في أواخر أيامهم، ثم استولى على طنجة، وقوي أمره في ذلك الركن المنعزل من المغرب، وأطاعته قبائل غمارة، واستمرت ولايته زهاء عشرين عاماً. فلما زحفت الجيوش المرابطية إلى تلك الناحية، اعتزم سكوت الدفاع عن ملكه، وكان شيخاً في التسعين من عمره، ولكنه كان فارساً مقداماً.
فالتقى بالمرابطين في وادي منى على مقربة من طنجة، وقاتل حتى قتل ومزق جيشه، وسقطت طنجة في أيدي المرابطين، واعتصم ولده يحيى بن سكوت
(١) روض القرطاس ص ٨٦، وابن خلدون ج ٦ ص ١٨٤، والاستقصاء ج ١ ص ١٠٦.