للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لغويتين، أي: كلمتين مستعملتين فيما وضعتا له في اصطلاح التخاطب نحو "شفى الدواء المريض" فإن كلا الطرفين -الشفاء والدواء- مستعمل في المعنى الذي وضع له، والمجاز إنما هو في الإسناد إذا صدر هذا القول من المؤمن, ومثله قول الشاعر "وشيب أيام الفراق مفارقي"، ومنه إسناد اسم الفاعل إلى ضمير الليل في قول الشاعر: ونمت وما ليل المطي بنائم. فالإسناد في هذين المثالين مجاز عقلي، مع حقيقة الطرفين.

الثاني: أن يكون الطرفان مجازيين لغويين، أي: كلمتين مستعملتين في غير ما وضعتا له كقولهم: "أحيا الأرض شباب الزمان" فكل من الطرفين -أحيا وشباب الزمان- مستعمل في غير المعنى الموضوع له, ذلك أن "الإحياء" معناه في الأصل: إيجاد الحياة في الحيوان، وهي صفة تقتضي الحس والحركة الإرادية، لكن هذا المعنى لا يتأتى هنا، فهو إذًا غير مراد، وإنما المراد معنى آخر مناسب، وإن لم يوضع له اللفظ، وهو: إحداث النضارة والخضرة في الأرض بسبب تهييج قواها المنمية للنبات، وهذا المعنى مجازي نقل إليه اللفظ على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية١.

كذلك "الشباب" معناه في الأصل: كون الحيوان في ريعانه أي: في زمن ازدياد قوته، واشتعال الحرارة فيه، وهذا المعنى أيضا غير مراد هنا, وإنما المراد معنى آخر مناسب لم يوضع له اللفظ، وهو كون الزمان في بدء ازدياد قواه المنمية للنبات بسبب اعتدال الهواء، وهطول الأمطار من السماء، وهذا المعنى أيضا مجازي نقل إليه اللفظ على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية٢, ومثله إسناد "الإشعال إلى حنادس" في نحو


١ وتقريرها أن يقال: شبه المعنى المنقول إليه وهو إحداث النضارة والخضرة بالمعنى المنقول عنه وهو إيجاد الحياة بجامع أن كلا منهما إحداث لأمر هو منشأ المنافع والمحاسن، ثم استعير اسم الشبه به وهو "الإحياء" للمشبه، فصار معنى الإحياء إحداث النضارة والخضرة، ثم اشتق من الإحياء بهذا المعنى "أحيا" بمعنى: أحدث الخضرة والنضارة.
٢ وتقريرها أن يقال: شبه المعنى المنقول إليه. وهو كون الزمان في بدء ازدياد قوته بالمعنى المنقول عنه وهو كون الحيوان في زمن اشتعال حرارته بجامع الحسن في كل ثم استعير لفظ المشبه به وهو الشباب للمشبه فصار معنى الشباب كون الزمان في بدء ازدياد قوته.

<<  <  ج: ص:  >  >>