وأقدمني الله بلدك لحق لي عليك, كما جرى الاستعمال العربي بإسناد الشفاء إلى الله فقيل: شفى الله المريض, وبإسناد الربح للتجار فقيل: فما ربح التجار في تجارتهم، لهذا كانت هذه الأسانيد بمثابة المجاز الذي لا حقيقة له.
فتصدى للشيخ عبد القاهر الإمام الرازي معترضا عليه بأنا لا نسلم أن هناك أفعالا لا فواعل لها, إذ يمتنع أن يوجد بدون فاعل, وقد آزره في ذلك السكاكي قائلا: إن فاعل هذه الأفعال في الأمثلة السابقة إنما هو الله تعالى، ولعل أمره خفي على الشيخ نظرا لكثرة إسناد الفعل إلى الفاعل المجازي.
والحق ما قال الشيخ إذ ليس مراده نفي الفاعل رأسا، فإن ذلك لا يسع عاقلا أن يقول به، وإنما مراده نفي وجوب أن يكون هناك فاعل حقيقي يسند إليه الفعل إسنادا معتدا به قبل إسناده إلى الفاعل المجازي، فهو لا يشترط في المجاز العقلي أن يكون المسند قد أسند قبل إلى الفاعل الحقيقي, بل يجوز أن يسند من أول الأمر إلى الفاعل المجازي لعدم تحقق الفاعل الحقيقي خارجا كما في الأمور الاعتبارية في الأمثلة السابقة.
أما تقدير الفاعل الموجد وهو الله تعالى في مثل هذه الأفعال المتقدمة فهو مما لا يقصد في الاستعمال العربي، ولا يتعلق به الغرض في التراكيب ا. هـ.
تقسيم المجاز العقلي باعتبار طرفيه:
ينقسم المجاز العقلي باعتبار حقيقة الطرفين ومجازيتيهما أربعة أقسام١:
الأول: أن يكون الطرفان -وهما المسند والمسند إليه- حقيقتين
١ لا يختص المجاز العقلي بهذه الأقسام الأربعة بل الحقيقة العقلية أيضا تنقسم إلى هذه الأقسام الأربعة, وأمثلتها هي بعينها أمثلة المجاز العقلي غير أن الحال تختلف بينهما بالنظر لمن صدرت عنه من كونه مؤمنا أو كافرا ولم تذكر أقسام الحقيقة لعلمها بالمقايسة أو لقلة الاهتمام بها.