كذلك، أو لكونه لازما لوجوده إذ لا بد للفعل من زمان يقع فيه، ويلابس المكان لكونه لازما لوجوده إذ لا بد للفعل أيضا من مكان يقع فيه، ويلابس السبب لحصوله به١.
فإسناد الفعل المصوغ للفاعل إلى الفاعل نحو:"قدم محمد"، وإسناد الفعل المصوغ للمفعول إلى المفعول نحو:"أكرم علي" حقيقة عقلية كما تقدم؛ لأن الفعل فيهما أسند إلى ما صيغ لأجله، وبني له, فالفعل المبني للفاعل صيغ؛ لأن يسند إلى الفاعل، والفعل المبني للمفعول صيغ؛ لأن يسند إلى المفعول كما رأيت.
أما إسناد الفعل المبني للفاعل إلى غير الفاعل، وإسناد الفعل المبني للمفعول إلى غير المفعول فمجاز عقلي؛ لأن الفعل فيهما أسند إلى غير ما صيغ لأجله، وبني له، وإليك الأمثلة:
فمثال إسناد الفعل المبني للفاعل إلى المفعول قولك محدثا عن إنسان:"رضيت عيشته" فلفظ "رضي" فعل مبني للفاعل، وكان حقه أن يسند إلى الفاعل الحقيقي الذي هو صاحب العيشة، فيقال:"رضي محمد عيشته" لكنه أسند إلى المفعول الذي هو العيشة إسنادا مجازيا للمشابهة بين محمد والعيشة في تعلق الفعل المذكور بكل منهما، فتعلقه بمحمد من حيث صدوره منه، وتعلقه بالعيشة من حيث وقوعه عليها، فالعيشة إذًا مسند إليه مجازي, ومنه قوله تعالى:{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} فقد أسند فيه اسم الفاعل من "رضي" المبني للفاعل إلى ضمير المفعول الذي هو "العيشة" إسنادا مجازيا من إسناد ما هو في معنى الفعل إلى غير ما هو له.
وأصل التركيب: رضي محمد عيشته فأقيم المفعول مقام الفاعل للمشابهة بينهما على ما تقدم، ثم أسند الفعل إليه، فصار رضيت عيشته،
١ لم يتعرض للمفعول معه نحو: جاء الأمير والجيش، أو الحال نحو: قدم الأمير راكبا، أو التمييز نحو: طاب محمد نفسا، أو المستثنى نحو: قدم القوم إلا محمدا؛ لأن الفعل لا يسند إليها مع بقائها على معانيها.