للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقرير الاستعارة فيه على نحو ما سبق، فتشبه الغبطة بالظرف الحقيقي بجامع التمكن في كل، فيسري هذا التشبيه إلى تشبيه تلبس الغبطة بمحمود بتلبس الظرف بالمظروف الحقيقيين بجامع مطلق تلبس شيء بشيء, ثم تستعار "في" الموضوعة لتلبس الظرف بالمظروف الحقيقيين؛ لتلبس الغبطة بمحمود, على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية, وهكذا يقال في أمثال ما ذكر.

ومن هذا البيان يعلم أن الاستعارة في الحرف لا بد فيها من تشبيهين يسبقانها؛ أحدهما في مدخول الحرف، والثاني في معناه, فالتشبيه في آية {فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ} جرى -أولا- في مدخول لام العلة، وهو "العداوة والحزن" في جانب المشبه، "والمحبة والسرور" في جانب المشبه به، ثم جرى -ثانيا- في معنى اللام، وهو ترتب العلة على المعلول. والتشبيه في آية {لَأُصَلِّبَنَّكُمْ} جرى -أولا- في مدخول الحرف، وهو "الجذوع" في جانب المشبه، والظروف الحقيقية في جانب المشبه به، ثم جرى -ثانيا- في معنى الحرف، وهو "تلبس الظرف بالمظروف", والتشبيه في المثال الأخير جرى -أولا- في مجرور الحرف، وهو "الغبطة" في جانب المشبه، والظرف الحقيقي في جانب المشبه به، ثم جرى -ثانيا- في معنى الحرف، وهو "تلبس الظرف بالمظروف" وعلى هذا فقس.

هذا هو مذهب الخطيب في استعارة الحرف -على ما يفهم من كلامه في كتابه الإيضاح- فهو -كما رأيت- لا يجري استعارة في مجرور الحرف، ويعقد التشبيه فيه، لا في معنى كلي كما ذهب إليه الجمهور -على ما سيأتي- قالوا: وهذا هو الأولى؛ لأن الحرف في حاجة إلى ذكر المجرور, فاللائق أن يكون التشبيه فيه لا في غيره، وأن تكون الاستعارة في الحرف تبعا للتشبيه في مجروره, كما مثلنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>