وتقرير الاستعارة فيه أن يقال: شبه العداوة والحزن المترتبان على الالتقاط بالعلة الحقيقية التي هي المحبة والسرور بجامع الترتب على الالتقاط في كل، فسرى هذا التشبيه إلى تشبيه ترتب العداوة والحزن على الالتقاط بترتب العلة الحقيقية عليه, بجامع مطلق ترتب شيء على الشيء، ثم استعيرت اللام الموضوعة لترتب العلة الحقيقية على الالتقاط؛ لترتب غير العلة الحقيقية عليه على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.
ومثله قوله تعالى:{لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} ، فلفظ {فِي} موضوع لتلبس الظرف بالمظروف الحقيقيين كما تقول: الماء في الكوز. وإذًا فكلمة {فِي} في الآية مستعملة في غير ما وضعت له؛ لأن ما بعدها لا يصلح ظرفا لما قبلها على الحقيقة, لكن لما كانت الجذوع متمكنة من المصلوبين تمكن الظرف من المظروف شبهت الجذوع بالظرف الحقيقي في هذا التمكن، ثم استعير لها لفظ {فِي} تجوزا.
وإجراء الاستعارة فيه أن يقال: شبهت الجذوع المستعلى عليها بالظروف الحقيقية بجامع التمكن في كل، فسرى هذا التشبيه إلى تشبيه تلبس الجذوع بالمصلوبين بتلبس الظرف بالمظروف الحقيقيين بجامع مطلق تلبس شيء بشيء، ثم استعيرت {فِي} الموضوعة لتلبس الظرف بالمظروف الحقيقيين لتلبس الجذوع المستعلى عليها بالمستعلي، على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.
ومثله قولهم:"محمود في غبطة" فلفظ "في" -كما علمت- موضوع لتلبس الظرف بالمظروف الحقيقيين -كما في المثال السابق- وإذًا فلفظ "في" في المثال المذكور مستعمل في غير ما وضع له؛ لأن ما بعده لا يصلح للظرفية الحقيقية -كما ترى- لكن لما كانت الغبطة متمكنة من محمود تمكن الظرف من المظروف الحقيقيين, شبهت الغبطة بالظرف الحقيقي في هذا التمكن، واستعمل فيها لفظ "في" تجوزا.