والمؤكد: ما تركت فيه الأداة لفظا وتقديرا أي: ترك التصريح بها, وتُنُوسِي تقديرها في نظم الكلام أيضا إشعارا من حيث الظاهر بأن المشبه عين المشبه به مبالغة, كما تقول في المثالين السابقين:"سجعه سجع الحمام، ووشيه وشي الطاووس" فتترك ذكر الأداة، ولا تقدرها في نفسك ادعاء منك أن المشبه هو المشبه به نفسه لا شيء سواه. ومثله قوله تعالى:{وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} يريد -والله أعلم بمراده- أن الجبال يوم القيامة بعد النفخة الأولى تسير في الهواء كالسحاب تسوقه الرياح، فهو تشبيه مؤكد تركت فيه الأداة, وتنوسي تقديرها ليكون المعنى: إن مرور الجبال يوم القيامة هو مرور السحاب بعينه، وهذا المعنى هو ما ينبغي أن يفهم تصويرا للحالة التي ستكون. ومنه قول الشاعر:
هم البحور عطاء حين تسألهم ... وفي اللقاء إذا تلقى بهم بهم
ولو فرض تقدير الأداة في الكلام, لكان تشبيها مرسلا.
إذا علمت هذا, فاعلم أن كل مثال تركت فيه الأداة، يحتمل أن يكون من قبيل التشبيه المؤكد إن لم تقدر فيه الأداة، وأن يكون من قبيل المرسل إن قدرت الأداة ما لم تقم قرينة على المراد.
ومن التشبيه المؤكد ما أضيف فيه المشبه به إلى المشبه بعد حذف الأداة، وتقديم المشبه به على المشبه، والإضافة حينئذ بيانية تقتضي الاتحاد في المفهوم, كما في قول الشريف الرضي يستمطر الرحمة على قبور الموتى:
أرسى النسيم بواديكم ولا برحت ... حوامل المزن في أجداثكم تضع١
١ "أرسى النسيم بواديكم" بمعنى: استقر بها, و"المزن" أراد بها السحاب, و"الأجداث" جمع جدث -بفتح الجيم والدال- وهو القبر، و"تضع" بمعنى تهمي وتهطل, وإنما عبر بالوضع لمناسبة لفظ "الحوامل".