للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغرض مما لو قال: "وروادته امرأة العزيز أو زليخاء"؛ لأنه إذا كان في بيتها، وتمكن من نيل مراده منها، ومع ذلك عف وامتنع، كان ذلك غاية في النزاهة.

وقيل: إن المراد في الآية: تقرير المسند الذي هو "المراودة" بمعنى أنها وقعت منها "لا محالة" لأن وجوده في بيتها -مع ما لها من سعة السلطان، وقوة النفوذ، ومع فرط الاختلاط والألفة- أدل على وقوع المراودة، وصدور الاحتيال منها١.

٦- التنبيه على خطأ وقع فيه المخاطب أو غيره؛ مثال الأول قول عبيدة بن الطيب من قصيدة يعظ بها بنيه:

إن الذين ترونهم إخوانكم ... يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا

يقول: إن الذين تظنونهم أحباءكم، وأنهم يتمنون الخير لكم, هم على غير ما تظنون؛ يودون السوء لكم، وإيقاع الشر بكم. والشاهد قوله: "إن الذين ترونهم إخوانكم" حيث أتى بالمسند إليه موصولا لقصد تنبيه المخاطبين على خطئهم في ظنهم أن أمثال هؤلاء أصدقاء لهم، إذا تحقق فيهم ما لا يتفق مع هذه الصداقة: من تربص الدوائر بهم, بخلاف ما لو صرح بأسمائهم، فليس في ذلك ما يدل على تنبيههم إلى ذلك الخطأ, ومثال ما فيه تنبيه على خطأ غير المخاطب قولك: "إن الذي يحسبه محمد صديقه الحميم يغتم لسروره ويبتهج لحزنه، ويود له ما لا يحب" ففيه من التنبيه على الخطأ في هذا الحسبان ما ليس في التصريح بالاسم, ومنه قول الشاعر٢:

إن التي زعمت فؤادك ملها ... خلقت هواك كما خلقت هوى لها


١ وقيل: المراد تقرير المسند إليه الذي هو امرأة العزيز أو زليخاء لإمكان وقوع الإبهام والاشتراك فيهما. بيان ذلك أنه لو قال: وراودته زليخاء لم يعلم يقينا أنها المرأة التي هو في بيتها لاحتمال أن يكون هناك امرأة أخرى مسماة بهذا الاسم غير التي هو في بيتها, ولو قيل: وراودته امرأة العزيز لوقع مثل هذا الاحتمال أيضًا وإن كان بعيدًا, بخلاف التعبير بالموصول فإنه لا احتمال فيه، لأنه معلوم من الخارج أن التي هو في بيتها إنما هي زليخاء امرأة العزيز لا غير.
٢ هو ابن أذينة أحد بني ليث بن بكر, وهو شاعر غزل مقدم من شعراء المدينة معدود في الفقاء والمحدثين روى عنه مالك بن أنس.

<<  <  ج: ص:  >  >>