للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخشعوا ورقّوا واعترفوا (١) وبكوا وضجوا ودعوا وأعلنوا التضرّع إلى الله تعالى في التوبة والابتهال في المغفرة، وأخذ خليفتهم من ذلك بأوفر حظ، وقد علم أنّه المقصود به، فبكى وندم على ما سلف له من فرطه، واستعاذ بالله من سخطه، إلاّ أنّه وجد على منذر لغلظ ما قرّعه به (٢) ، فشكا ذلك لولده الحكم بعد انصراف منذر، وقال: والله لقد تعمدني منذر بخطبته، وما عنى بها غيري، فأسرف عليّ، وأفرط في تقريعي (٣) ، ولم يحسن السياسة في وعظي، فزعزع قلبي، وكاد بعصاه يقرعني، واستشاط غيظاً عليه فأقسم أن لا يصلي خلفه صلاة الجمعة خاصة، فجعل يلتزم صلاتها وراء أحمد بن مطرّف صاحب الصلاة بقرطبة، ويجانب الصلاة بالزهراء، وقال له الحكم: فما الذي يمنعك من عزل منذر عن الصلاة بك والاستبدال بغيره منه إذ كرهته؟ فزجره وانتهره، وقال له: أمثل منذر بن سعيد في فضله وخيره وعلمه؟ لا أمّ لك؟ يعزل لإرضاء نفس ناكبة عن الرشد، سالكة غير القصد؟ هذا ما لا يكون، وإنّي لأستحي من الله أن لا أجعل بيني وبينه في صلاة الجمعة شفيعاً مثل منذر في ورعه وصدقه، ولكنّه أحرجني، فأقسمت، ولوددت أنّي أجد سبيلاً إلى كفّارة يميني بملكي، بل يصلّي بالناس حياته وحياتنا إن شاء الله تعالى، فما أظنّنا نعتاض منه أبداً (٤) . وقيل: إن الحكم اعتذر عمّا قال منذر، وقال: يا أمير المؤمنين، إنّه رجل صالح، وما أراد إلاّ خيراً، ولو رأى ما أنفقت وحسن تلك البنية لعذرك، فأمر حينئذ الناصر بالقصور ففرشت، وفرش ذلك المجلس بأصناف فرش الديباج، وأمر بالأطعمة، وقد أحضر العلماء وغيرهم من الأمراء (٥) وغصّ بهم المجلس، فدخل منذر في آخرهم،


(١) ج: واعتبروا.
(٢) ك ط ج: تقرعه به.
(٣) زاد في ك: وتفزيعي.
(٤) هنا انقطع النقل عن المطمح.
(٥) وغيرهم من الأمراء: سقطت من ك ج، وفي ط بياض.

<<  <  ج: ص:  >  >>