للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بين الناصر ومنذر بن سعيد في شأن المباني]

وقال ابن أصبغ الهمداني (١) والفتح في المطمح (٢) : كان الناصر كلفاً بعمارة الأرض، وإقامة معالمها، وانبساط أمرها (٣) ، واستجلابها من أبعد بقاعها، وتخليد الآثار الدالة على قوّة الملك وعزّة السلطان وعلوّ الهمّة، فأفضى به الإغراق في ذلك إلى أن ابتنى مدينة الزهراء البناء الشائع ذكره، الذائع خبره، المنتشر في الأرض أثره، واستفرغ وسعه (٤) في تنميقها، وإتقان قصورها، وزخرفة مصانعها، وانهمك في ذلك حتى عطل شهود الجمعة بالمسجد الجامع الذي اتخذه ثلاث جمع متواليات، فأراد القاضي منذر أن يغض منه بما يتناوله من الوعظة بفصل الخطاب والحكمة والتذكر بالإنابة والرجوع، فابتدأ في أول خطبته بقوله تعالى: " أتبنون بكلّ ريع - إلى قوله تعالى: فلا تكن من الواعظين " ثم وصله بقوله: فمتاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى، وهي دار القرار، ومكان الجزاء، ومضى في ذم تشييد البنيان، والاستغراق في زخرفته، والإسراف في الإنفاق عليه، بكلام جزل، وقول فصل، قال الحاكي: فجرى فيه طلقاً، وانتزع فيه قوله تعالى: " أفمن أسّس بنيانه - إلى آخر الآية " وأتى بما يشاكل المعنى من التخويف بالموت، والتحذير من فجأته، والدعاء إلى الزهد في هذه الدار الفانية، والحض على اعتزالها، والرفض لها، والندب إلى الإعراض عنها، والإقصار عن طلب اللذّات، ونهي النفس عن اتّباع هواها، فأسهب في ذلك كلّه، وأضاف إليه من آي القرآن ما يطابقه، وجلب من الحديث والأثر ما يشاكله، حتى أذكر من حضره من الناس


(١) في ك: ابن البديع الهمداني؛ وفي ق: ابن حيان الهمداني. وسيذكره في الكتاب الخامس باسم " ابن أصبغ الهمداني " وكذلك ورد في ج وأزهار الرياض ٢: ٢٧٧ والمرقبة العليا: ٦٩.
(٢) انظر المطمح: ٤٠ والمرقبة العليا: ٦٩ وأزهار الرياض ٢: ٢٧٨ - ٢٧٩.
(٣) دوزي: وانبساط مياهها؛ وفي المطمح: وتكثير مياهها.
(٤) ك: جهده.

<<  <  ج: ص:  >  >>