للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى النجوم، وتنزهت عن أعراض الجسوم، والرياح الحسوم، وسقيت بالعلوم، وغذيت بالفهوم، وحملت بالزهر المكتوم، ووفيت ثمرتها بالغرض المروم، فاز من استأثر بجناها، وتعنلاى من عني بلفظها دون معناها، فمن استصبح بدهنها استضاء بسناها، ما أبعدها وما أدناها، عيناً ملأت الأكف بغناها، كم بين أوراقها من قلب مقلب، وفي هوائها من هوى مغلب، وكم فوق أفنانها من صادح، وكمم في التماس سقيطها من كادح، وكم دونها من خطب فادح، ولأربابها من هاج ومادح، تنوعت أسماؤها، ولم تتنوع أرضها ولا سماؤها، فسميت نخلة تهز وتجنى، وزيتونة مباركة يستصبح بزيتها الأسنى، وسدرة إليها ينتهي المعنى، أصلها للوجود أصل، وليس لها كالشجر جنس ولا فصل، وتربتها روح ونفس عقل، وشرفها يعضده بديهة ونقل، يحط بفنائها، ويصعد السالكون حول بنائها، تخترق السبع الطباق ببراقها، وتمحى ظلم الحس بنور إشراقها، فسبحان الذي جعلها قطب الأفلاك، ومدافن الأضواء والاحلاك، ومغرد طيور الأملاك، وسبب انتظام هذه الأسلاك، لم يحل فيها طريد بعيد، ولا اتصف بصفاتها إلا سعيد، ولا اعتلق بأوجها هاوفي حضيض، ولا بمحض برهانها متخبط في شرك نقيض، ولا تعرض لشيم بوارقها متسم بسمة بغيض، الحمد لله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ومنه نستزيد الاستغراق في بحارها، والاستنشاق لنواسم أسحارها، والاستدلال بذرى أفنانها عليه، والوصول بسبب ذلك إليه، إنه ولي ذلك سبحانه، فطاب لعمري المنبت والنابت، وسما الفرع الباسق ورسا الأصل الثابت، وفاءت الأفنان، وزخرفت الجنان، وتعددت الأوراق والزهرات والأغصان، ولم أترك فنناً إلا جمعت بينه وبين مناسبه، ولا فرعاً إلا ضممته إلى ما يليق به، واستكثرت من الشعر لكونه من الشجرة بمنزلة النسيم الذي يحرك عذبات أفنانها، ويؤدي إلى الأنوف روائح بستانها، وهوالمزمار الذي ينفخ الشوق في يراعته، والعزيمة التي تنطق مجنون الوجد من ساعته، وسعة ألسن العشاق، وترجمان ضمير الأشواق

<<  <  ج: ص:  >  >>