لفراقه خفق، وإن تلألأ برق فعن حر حشاي ائتلق، وإن سحت السحب فمساعدة لجفني، وإن طال بكاؤها فغني، حياها الله تعالى منازل، لم تزل بمنظوم الشمل أواهل، وحين انتثرت نثرت أزهارها أسفاً، ولم تثن الريح من أغصانها معطفاً، أعاد الله تعالى الشمل فيها إلى محكم نظامه، وجعل الدهر الذي فرقه يتأنق في إحكامه، وهوسبحانه يجبر الصدع، ويعجل الجمع، إنه بالإجابة جدير، وعلى ما يشاء قدير.
إنه بني كيف حال من استودعتهم أمانتك، وألزمتهم صونك وصيانتك، وألبستهم نسبك، ومهدت لهم حسبك، الله في حفظهم فهواللائق لفعالك، المناسب لشرف خلالك، أرع لهم الاغتراب لديك، والانقطاع إليك، فهم أمانة الله تعالى في يديك، وهوسبحانه يحفظك بحفظهم، ويوالي بلحظك أساب حظهم، وإن ذهبتم إلى معرفة الأحوال، فنعم الله تعالى ممتدة الظلاك، وخيراته وارفة السربال، لولا الشوق الملازم، والوجد الذي سكن الحيازم.
٤٩ - وقال في الإكليل في ترجمة أبي بكر محمد بن محمد بن عبد الله ابن مقاتل المالقي (١) ، ما نصه: نابغة مالقية، وخلف وبقية، ومغربي الوطن أخلاقه مشرقيه، أزمع الرحيل إلى المشرق، مع اخضرار العود وسواد المفرق، فلما توسطت السفينة اللجج، وقارعت الثبج، هال عليها البحر فسقاها كأس الحمام، وأولدها قبل التمام، وكان فيمن اشتملت عليه أعوادها، وانضم على نوره سوادها، من جملة الطلبة والأدباء، وأبناء السراة الحسباء، أصبح كل منهم مطيعاً، لداعي الردى وسميعاً، وأحيوا فرادى وماتوا جميعاً، فاجروا الدموع حزناً، وأرسلوا العبرات عليهم مزناً، وكأن البحر لما كمس سبيل خلاصهم وسدها، وأهال هضبة سفينتهم وهدها، غار على نفوسهم النفيسة فاستردها، والفقيه أبوبكر مع إكثاره، وانقياد نظامه ونثاره، لم أظفر من أدبه