ويتداوله الإرقال والوخد، وقد لفحته الرمضاء، وسئمه الإنضاء، فالجهات تلفظه، والآكام تبهظه، يحمل همومه الرواسم، وتحياته البواسم:
لا يستقر بأرض حين يبلغها ... ولا له غير حدو العيس إيناس ثم إذا استوفوا سؤالك عن حالي، وتقلبي بين حلي وترحالي، وبلغت القلوب منهم الحناجر، وملأت الدموع المحاجر، وابتلت ذيولك بمائها، لا بل تضرجت بدمائها، فحيهم عني تحية منفصل، ووداع مرتحل، ثم اعطف عليك ركابك، ومهد لهم جنابك، وقل لهم إذا سألني عن المنازل بعد سكانها، والربوع بعد ظعن أظعانها، بماذا أجيبه وبماذا يسكن وجيبه، فسيقولون لك هي البلاقع المقفرات، والمعارف التي أصبحت نكرات:
صم صداها وعفا رسمها ... واستعجمت عن منطق السائل قل لهم: كيف الروض وآسه وعم تتأرجح أنفاسه عهدي به والحمام يردد به أسجاعه، والذباب يغني هـ هزجاً فيحك بذراعه ذراعه، وغصونه تعتنق، وأحشاء جداوله تصطفق، وأسحاره تنتسم، وآصاله تتوسم، كما كانت بقية نضرته، وكما عهدته أنيقة خضرته، وكيف التفاته عن أزرق نهره، وتأنقه في تكليل إكليله بيانع زهره، وهل رق نسيم أصائله، وصفت موارد جداوله وكيف انفساح ساحاته، والتفات دوحاته وهل تمتد كما كانت مع العشي فينانة سرحاته، وعهدي بها المديدة الظلال، المزعفرة السربال وهل تحدق الآن به عيون نرجسه، ويمد بساط سندسه وأنى منه مجالس لداتي، ومعاهد غدواتي وروحاتي، إذ أباري في المجون لمن أباري، وأسابق إلى اللذات كل من اجاري، فسيقولون لك: ذوت أفنانه، وانقصفت أغصانه، وتكدرت غدرانه، وتغير روحه وريحانه، وأقفرت معالمه، وأخرست حمائمه، واستحالت حلل خمائله، وتغيرت وجوه بكره وأصائله، فإن صلصل حنين رعد فعن قلبي