للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما قول الله سبحانه: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} ١ فلا يكون فيه "أو" على مذهب الفراء بمعنى بل, ولا على٢ مذهب قطرب في أنها بمعنى الواو.

لكنها عندنا على بابها في كونها شكًّا. وذلك أن هذا كلام خرج حكاية من الله -عز وجل- لقول المخلوقين. وتأويله عند أهل النظر: وأرسلناه إلى جمع لو رأيتموهم لقلتم أنتم فيهم: هؤلاء مائة ألف أو يزيدون.

ومثله مما مخرجه منه تعالى على٣ الحكاية قوله: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} وإنما هو في الحقيقة الذليل المهان لكن معناه: ذق إنك أنت الذي كان يقال له: العزيز الكريم. ومثله قوله -عز وجل: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} ٥ أي: يا أيها الساحر عندهم لا عندنا؛ وكيف٦ يكون ساحرًا عندهم وهم به مهتدون, وكذلك قوله: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ} ٧ أي: شركائي عندكم. وأنشدنا أبو علي لبعض اليمانية٨ يهجو جريرًا:

أبلغ كليبًا وأبلغ عنك شاعرها ... أني الأغرّ وأني زهرة اليمن

قال: فأجابه جرير فقال:

ألم تكن في وسوم قد وسمت بها ... من حان موعظة يا زهرة اليمن ٩

فسماه زهرة اليمن١٠ متابعة له وحكاية للفظه, وقد تقدَّم القول على هذا الموضع.


١ آية: ١٤٧ سورة الصافات.
٢ كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بمعنى".
٣ سقط هذا الحرف في ش.
٤ آية: ٤٩، سورة الدخان.
٥ آية ٤٩ سورة الزخرف.
٦ كذا في ش، ب. وفي د، هـ، ز: "فكيف".
٧ ورد في عدة آيات؛ من ذلك آية ٢٧، سورة النحل وآية ٥٢ سورة الكهف.
٨ كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "أهل اليمن".
٩ الوسوم جمع وسم، وهو أثر الكي يريد أذى هجائه, وحان: أي هلك.
١٠ سقط في د، هـ، ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>