للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلت: ومن أين يعلم أن العرب قد راعت هذا الأمر واستشفته١ وعنيت بأحواله وتتبعته حتى تحامت هذه المواضع التحامي الذي نسبته إليها وزعمته مرادًا لها وما أنكرت أن يكون القوم أجفى طباعًا وأيبس طينًا من أن يصلوا من النظر إلى هذا القدر اللطيف الدقيق الذي لا يصح لذي الرقة والدقة منا أن يتصوره إلا بعد أن توضح له أنحاؤه بل أن تشرح له أعضاؤه؟

قيل له: هيهات! ما أبعدك عن تصور أحوالهم, وبعد أغراضهم ولطف أسرارهم, حتى كأنك لم ترهم وقد ضايقوا أنفسهم, وخففوا عن ألسنتهم, بأن اختلسوا الحركات اختلاسًا وأخفوها فلم يمكنوها في أماكن كثيرة ولم يشبعوها؛ ألا ترى إلى قراءة أبي عمرو " مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ " مختلسًا لا محققًا٣؛ وكذلك قوله عز وجل: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} مخفي لا مستوفي, وكذلك قوله عز وجل: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ} مختلسًا غير ممكن كسر الهمزة, حتى دعا ذلك من لطف عليه تحصيل اللفظ إلى أن ادعى أن أبا عمرو كان يسكن الهمزة والذي رواه صاحب٣ الكتاب اختلاس هذه الحركة لاحذفها البتة, وهو أضبط لهذا الأمر من غيره من القراء الذين رووه ساكنًا. ولم يؤت القوم في ذلك


١ استشف الشيء: نظر ما وراءه. واستشف الكتاب تأمله.
٢ كذا في أبقافين، وفي ش كما في المطبوعة: "مخففا"، بفاءين، وما في ب أقرب إلى ما في ش.
٣ يريد سيبويه. وانظر كتابه ص٢٩٧ ج٢، وهذا الذي رواه صاحب الكتاب رواه القراء أيضًا، ورووا مع هذا الإسكان. وممن روى الإسكان أبو محمد اليزيدي، وهو من هو في القراءة والبصر بالعربية. ومثل أبي محمد ما كان ليرمى بإساءة السمع، وقد روى أدق من هذا وأصنع عن أبي عمرو؛ فقد ذكر أن أبا عمرو كان يشم الهاء من يهدي والخاء من يخصمون شيئًا من الفتح، وهذا من اللطف بمكان. وانظر النشر ٢١٦/ ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>