للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى الجملة فكل ما حذف تخفيفًا فلا يجوز توكيده لتدافع حاليه به من حيث١ التوكيد للإسهاب والإطناب والحذف للاختصار والإيجاز. فاعرف ذلك مذهبًا للعرب.

ومما يدلك على صحة ذلك قول العرب -فيما رويناه عن محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى: "راكب الناقة طليحان " كذا رويناه هكذا وهو يحتمل٢ عندي وجهين:

أحدهما ما نحن عليه من الحذف فكأنه قال: راكب الناقة والناقة طليحان فحذف المعطوف لأمرين: أحدهما تقدم ذكر الناقة والشيء إذا تقدم ذكره دل٣ على ما هو مثله. ومثله من حذف المعطوف قول الله عز وجل: {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} أي فضرب فانفجرت. فحذف " فضرب " لأنه معطوف على قوله: "فقلنا ". وكذلك قول التغلبي ٤:

إذا ما الماء خالطها سخينا٥

أي شربنا٦ فسخينا. فكذلك قوله: راكب الناقة طليحان أي راكب الناقة والناقة طليحان.

فإن قلت: فهلا كان التقدير على حذف المعطوف عليه أي الناقة وراكب الناقة طليحان قيل يبعد ذلك من وجهين:


١ كذا في الأصول. والأحسن في التعبير: من حيث إن.
٢ انظر في تخريجه أيضًا التصريح على التوضيح، والأشموني في آخر مباحث عطف النسق.
٣ كذا في أ. وسقط هذا في ش، ب.
٤ يريد عمرو بن كلثوم صاحب المعلقة التي أولها:
ألا هبي بصحنك فاصبحينا ... ولا تبقي خمور الأندرينا
٥ صدره في وصف الخمر:
مشعشعة كأن الحص فيها
٦ هذا وجه في فهم البيت، ويرى بعضهم أن "سخينا" وصف من السخونة وهو حال من الضمير في خالطها، وذلك مزج الخمر بالماء الساخن.

<<  <  ج: ص:  >  >>