للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بخواطرهم ومواد حكمهم على عمله وترتيبه وقسمة أنحائه وتقديمهم أصوله وإتباعهم إياها فروعه -وكذا ينبغي أن يعتقد ذلك منهم لما نذكره آنفًا- فهو مفخر لهم ومعلم من معالم السداد دل على فضيلتهم.

والذي يدل على أنهم قد أحسوا ما أحسسنا، وأرادوا "وقصدوا"١ ما نسبنا إليهم إرادته وقصده شيئان: أحدهما حاضر معنا والآخر غائب عنا إلا أنه مع أدنى تأمل في حكم الحاضر معنا.

فالغائب ما كانت الجماعة من علمائنا تشاهده من احوال العرب "ووجوهها"٢، وتضطر إلى معرفته من أغراضها وقصودها: من استخفافها شيئًا أو استثقاله وتقبله أو إنكاره والأنس به أو الاستيحاش منه والرضا به أو التعجب من قائله وغير ذلك من الأحوال الشاهدة بالقصود بل الحالفة على ما في النفوس ألا ترى إلى قوله ٣:

تقول وصكت وجهها بيمينها ... أبعلي هذا بالرحى المتقاعس ٤

فلو قال حاكيًا عنها: أبعلي هذا بالرحى المتقاعس -من غير أن يذكر صك الوجه- لأعلمنا بذلك أنها كانت متعجبة منكرة لكنه لما حكى الحال فقال: "وصكت وجهها " علم بذلك قوة إنكارها وتعاظم الصورة لها. هذا مع أنك سامع لحكاية الحال غير مشاهد لها ولو شاهدتها لكنت بها أعرف ولعظم الحال في نفس تلك


١ زيادة في ش، ب، د، وخلت منها أ.
٢ كذا في أ. وفي ش، ب: "في وجوهها".
٣ هو نعيم بن الحارث بن يزيد السعدي. انظر اللسان في "ودع"، وشرح المرصفي للكامل ١/ ١٤٢.
٤ من أبيات أوردها في الكامل "الموضع السابق". كان الشاعر قد عقد له النكاح على امرأة لم يدخل بها بعد، فمرت به في نسوة وهو يطحن بالرحى لضيف نزلوا به، فقالت: أبعلي هذا! تعجبا واحتقارا له، فقال الأبيات. والمتقاعس: الذي يخرج صدره ويدخل ظهره، وذلك شكل من يطحن بالرحى.

<<  <  ج: ص:  >  >>