للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأحس حينئذ وقال: أهذا! أين هذا من ذاك! إن هذا طويل وذاك قصير. فاستروح إلى قصر الحركة في "حاجبه " وأنها أقل من الحرف في "أسماء " و"السماء ".

وسألته يومًا فقلت له: كيف تجمع "دكانًا "؟ فقال: دكاكين قلت: فسرحانًا؟ قال: سراحين قلت: فقرطانًا١؟ قال: قراطين قلت: فعثمان قال: عثمانون. فقلت له: هلا قلت أيضًا عثامين قال: أيش عثامين! أرأيت إنسانًا يتكلم بما ليس من لغته والله لا أقولها أبدًا ٢.

والمروي عنهم في شغفهم٣ بلغتهم وتعظيمهم لها واعتقادهم أجمل الجميل فيها أكثر من أن يورد أو جزء من أجزاء كثيرة منه.

فإن قلت: فإن العجم أيضًا بلغتهم مشغوفون ولها مؤثرون ولأن يدخلها شيء من العربي كارهون ألا ترى أنهم إذا أورد الشاعر منهم شعرًا فيه ألفاظ من العربي عيب به٤، وطعن لأجل ذلك عليه. فقد تساوت حال اللغتين في ذلك. فأية فضيلة للعربية على العجمية؟

قيل: لو أحست العجم بلطف صناعة العرب في هذه اللغة وما فيها من الغموض والرقة والدقة لاعتذرت من اعترافها بلغتها فضلا عن التقديم لها والتنويه منها.

فإن قيل: لا, بل لو عرفت العرب مذاهب العجم في حسن لغتها, وسداد تصرفها وعذوبة طرائقها لم تبء٥ بلغتها ولا رفعت من رءوسها باستحسانها وتقديمها.


١ هو ما يكون تحت السرج. وفي ج: "فقرطاسا؟ قال: قراطيس".
٢ انظر هذه القصة مع أخريات عن هذا الأعرابي في معجم الأدباء في ترجمة ابن جني ١٢/ ١٠٨.
٣ كذا في ش، ب. وفي أ: "شعفهم" والشغف والشعف واحد.
٤ كذا في أ. وفي ش، ب: "عليه".
٥ من بأى يبأى -كسعى يسعى- بأوا، وبأبا: فخر. وفي و: "ثعبأ".

<<  <  ج: ص:  >  >>