الله تعالى هذه الرسالة، وداعيا لكتاب الله القرآن الكريم، وعند ذلك يحق لنا الهتاف بزعامة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رسولا نبيا، حبّا وطاعة، ويتوجّب اتّباعه، عبادة نتقرب بها إلى الله، ونتعبّد الله بذلك، سبحانه وتعالى، وجل جلاله، وعمّ نواله، وعزّت قدرته.
إنّ احتفالنا بمولد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، باعتبار نبوّته؛ التي كانت ولادته لها وما تلاها إعدادا لحملها، واستعدادا لإبلاغها، كان ذلك في علم الله؛ الذي اصطفاه، وأعدّه سبحانه؛ ليحمل هذه الرسالة، ويتلقّى عن ربّه قرآنا، معجزة الله الخالدة، يجاهد فيه، ويقيم دولة القرآن، ربّى عليه الأجناد، وعبّد لله العباد.
[* هيمنة القرآن وإمامة الإسلام:]
فحقّ لهم- ولنا ولكل المسلمين في كل زمان ومكان- أن يهتفوا بإمامة القرآن وهيمنته، كتابا هاديا، ودستورا مضيئا، لا نفرّط فيه، ولا نتحوّل عنه.
وعلى ذلك تربّى صحابة رسول الله الكرام صلّى الله عليه وسلّم وورّثوه للأجيال التالية، وما زال- وسيبقى بعون الله تعالى- هذا القرآن، وهو كتاب الإنسانية، نفتديه على الدوام، وهو الذي آمنت به الجنّ إذ سمعته قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً [الجن: ١- ٢] . فهو كتابنا، وهو قرآننا، إماما وهاديا، نفتديه على الدوام.
وتتتابع في حمله الشعوب والأمم، وتتلاحم في أمّته، فتحيا به الأجيال، متحضّرة سعيدة، حتى يرث الله الأرض ومن عليها. وسارت أمة القرآن تحميه، وتفديه، وتستلهمه، وتستهديه في دولة القرآن.
وحين ضعف الأخذ به، والالتزام بأحكامه، ضعف حال أهله بنفس المقدار، حتى دالت هذه الدولة- بعيدا أو غير بعيد- بعوامل داخلية وخارجية، ولحكمة أرادها الله تعالى، وهو الحكيم العليم.