للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال المُناوي: " قال العسكري: لو فكر البلغاء في هذا اللفظ لعلموا أنّ المصطفى أوفى بهذا القليل على كل ما قيل في الموت نظمًا ونثراً، قال الغزالي: وللعارف في ذكره-أي: الموت- فائدتان: النفرة عن الدنيا، والثانية: الشوق إلى لقاء الله، ولا يصير إلى إقبال الخلق على الدنيا إلا قلة التفكر في الموت" (١).

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استحيوا من الله حق الحياء) قال: قلنا: يا نبي الله، إنا لنستحي، والحمد لله، قال: (ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، وتحفظ البطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء) (٢).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل المؤمنين أحسنهم خلقًا، وأكيسهم-يعني: أعقلهم- أكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم له استعداداً، أولئك الأكياس) (٣).

"قال الحسن: إن الموت قد فضح الدنيا فلم يدع لذي لب بها فرحًا، وقال مطرف: إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم، فالتمسوا نعيمًا لا موت فيه، وقال يونس بن عبيد: ما ترك ذكر الموت لنا قرة عين في أهل ولا مال" (٤).

فيا عجبًا لغافل عن تذكر الموت، وأسبابُ الموت تطرق بابه، وخُطاه تقترب من لقائه، ورصيد عمره على وشك النفاد، والاقترابِ من مفارقة الحياة!

قال ابن الجوزي: "إني أعجب من عاقل يرى استيلاء الموت على أقرانه وجيرانه كيف يطيب عيشه، خصوصاً إذا علت سنه؟!. و اعجباً لمن يرى الأفاعي تدب إليه وهو لا


(١) التيسير بشرح الجامع الصغير ـ للمناوي (١/ ٤٠٣).
(٢) رواه أحمد (٦/ ١٨٧)، والترمذي (٤/ ٦٣٧)، والحاكم (٤/ ٣٥٩)، وهو حسن.
(٣) رواه ابن ماجه (٢/ ١٤٢٣)، والبيهقي في الزهد الكبير (٥٢/ ٢)، وهو حسن.
(٤) لطائف المعارف، لابن رجب (ص: ٢٧).

<<  <   >  >>