للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قد يبغت. فالعاقل من أعطى كل لحظة حقها من الواجب عليه؛ فإن بغته الموت رؤي مستعداً، وإن نال الأمل ازداد خيراً " (١).

وقال أيضًا: " إذا علم الإنسان بأنّ الموت يقطعه عن العمل، عمل في حياته ما يدوم له أجره بعد موته. فإن كان له شيء من الدّنيا وقف وقفًا وغرس غرسًا وأجرى نهراً، ويسعى في تحصيل ذرّيّة تذكر اللّه بعده فيكون الأجر له، أو أن يصنّف كتابًا من العلم؛ فإنّ تصنيف العالم ولده المخلّد. وأن يكون عاملاً بالخير عالمًا فيه، فينقل من فعله ما يقتدي الغير به، فذلك الّذي لم يمت قد مات قوم وهم في الناس أحياء" (٢).

وقال المناوي: " وترحل عن الدنيا حتى تنزل بالآخرة، وتحل فيها حتى تبقى من أهلها، وأنك جئت إلى هذه الدار كغريب يأخذ منها حاجته ويعود إلى الوطن الذي هو القبر، وقد قال علي رضي الله عنه: (إن الدنيا قد ترحلت مدبرة، والآخرة ترحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل). فكأنك بالموت وقد سقاك كأسه على غفلة، فصرت من عسكر الموتى، فنزِّل نفسك منزلة من قضى نحبه، واترك الحرص واغتنم العمل وقصر الأمل، ومن تصور في نفسه أنه يعيش غداً لا يهتم له ولا يسعى لكفايته، فيصير حراً من رِقِّ الحرص والطمع والذل لأهل الدنيا، قال ابن الجوزي: إذا رأيت قبراً فتوهمه قبرك، وعُدْ باقي الحياة ربحًا" (٣).

"وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:

مَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ مُدْرِكُهُ … وَالْقَبْرَ مَسْكَنُهُ وَالْبَعْثَ مُخْرِجُهُ

وَأَنَّهُ بَيْنَ جَنَّاتٍ سَتُبْهِجُهُ … يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ نَارٍ سَتُنْضِجُهُ


(١) صيد الخاطر، لابن الجوزي (ص: ٤).
(٢) المرجع السابق (ص: ٨).
(٣) فيض القدير، للمناوي (١/ ٥٥٠).

<<  <   >  >>