للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بأثقال قد وضعت عنه، فوجد نشاطًا وراحة ورَوحًا، حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها؛ لأنها قرة عينيه، ونعيم روحه، وجنة قلبه، ومستراحه في الدنيا، فلا يزال كأنه في سجن وضيق حتى يدخل فيها فيستريح بها لا منها، فالمحبون يقولون: نصلي فنستريح بصلاتنا؛ كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم: (يا بلال، أرحنا بالصلاة) ولم يقل: أرحنا منها، وقال صلى الله عليه وسلم: (جعلت قرة عيني في الصلاة)، فمن جعلت قرة عينه في الصلاة كيف تقر عينه صلى الله عليه وسلم بدونها، وكيف يطيق الصبر عنها؟ فصلاة هذا الحاضر بقلبه الذي قرة عينه في الصلاة هي التي تصعد ولها نور وبرهان حتى يستقبل بها الرحمن عز وجل فتقول: حفظك الله تعالى كما حفظتني" (١).

وقال ابن أبي الدنيا: قرأت في كتاب أبي جعفر الأدميّ بخطّه، قال: "كنت باليمن في بعض أسفاري، فإذا رجل معه ابن له شابّ، فقال: إنّ هذا أبي وهو من خير الآباء، وقد يصنع شيئًا أخاف عليه منه، قلت: وأيّ شيء يصنع؟ قال: لي بقر تأتيني مساء فأحلبها، ثمّ آتي أبي وهو في الصّلاة، فأحبّ أن يكون عيالي يشربون فَضْله، ولا أزال قائمًا عليه والإناء في يدي، وهو مقبل على صلاته فعسى أن لا ينفتل ويقبل عليّ حتّى يطلع الفجر، قلت للشّيخ: ما تقول؟ قال: صدق، وأثنى على ابنه، وقال لي: أخبرك بعذري؟ إذا دخلت في الصّلاة، فاستفتحت القرآن ذهب بي مذاهب، وشغلني حتّى ما أذكره حتّى أصبح" (٢).

وقال صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة: ( … ورجل قلبه معلق في المساجد) (٣).

"ومعناه: شديد الحب لها، والملازمة للجماعة فيها" (٤).

فقد " صار قلبه ملتفتًا إلى المسجد لا يحب البراح عنه؛ لوجدانه فيه رَوح القربة،


(١) الوابل الصيب، لابن القيم (ص: ٣٤).
(٢) الورع لابن أبي الدنيا (ص: ١٠٠).
(٣) رواه البخاري (١/ ٢٣٤)، ومسلم (٢/ ٧١٥).
(٤) شرح النووي على مسلم (٣/ ٤٨١).

<<  <   >  >>