فإنه إن أراد وصول المصلى والمسلم إليه فهذه مكابرة، وإن أراد أنه صلى الله عليه وسلم يكون بحيث يسمع أصوات الخلائق من بعيد فليس هذا إلا لله رب العالمين الذي يسمع أصوات العباد كلها، ويقال أيضا ليس في الحديث ثناء على المسلم ولا مدح له ولا ترغيب له في ذلك ولا ذكر أجر له كما جاء في الصلاة والسلام المأمور بهما فإنه قد وعد أن من صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشرا، وكذلك من سلم عليه، وأيضاً فهما مأمور بهما وكل مأمور به ففاعله محمود مشكور مأجور، وأما قوله:(ما من رجل يمر بقبر الرجل فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام وما من مسلم يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام) فإنما فيه مدح المسلم عليه والإخبار بسماعه السلام وأنه يرد السلام فيكافئ المُسَلِّم عليه لا يبقى للمسَلَّم عليه فضل فإنه بالرد تحصل المكافأة كما قال تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) والمقصود هنا أن يعرف ما كان عليه السلف من الفرق بين ما أمر الله به من الصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم وبين سلام التحية الموجب للرد الذي يشترك فيه كل مؤمن حي وميت.
ومن أعظم ما منّ الله به على رسوله وعلى أمته واستجاب فيه دعاءه أن دفن في بيته بجانب مسجده فلا يقدر أحد أن يصل إلا إلى المسجد خصوصاً بعد وضع الشباك على الحجرة، والمسافر إلى قبره صلى الله عليه وسلم إنما يسافر إلى المسجد، وإذا سمى هذا زيارة لقبره فهو اسم لا مسمى له إنما هو إتيان إلى مسجده صلى الله عليه وسلم ولهذا لم يطلق السلف هذا اللفظ؛ ولا عند قبره قناديل معلقة ولا ستور مسبلة بل إنما تعلق القناديل في المسجد المؤسس على التقوى، ولا يقدر أحد أن يخلق نفس قبره بزعفران أو غيره من الخلوق، ولا ينذر زيتاً ولا شمعاً ولا ستراً، ولا غير ذلك مما ينذره أهل الإشراك لقبر