للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(٢٩) - ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾.

﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ كان القياسُ التذكيرَ؛ لأنَّ الأصلَ ما وقع شيءٌ إلَّا صيحةً واحدةً، ولكن طُوبِقت بها الصيحةُ لأنَّها في حكمِ فاعلِ الفعلِ، وعليها قراءةُ الحسنِ: ﴿فأَصبحوا لا تُرَى إلَّا مساكِنُهم﴾ [الأحقاف: ٢٩]؛ بتأنيث الفعلِ المبنيِّ للمفعول، ورفع (مساكنُهم).

وقرئ: ﴿إِلَّا صَيْحَةٌ﴾ بالرفع (١)، على (كان) التامَّة؛ أي: وما وقعت إلَّا صيحةٌ.

﴿فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾ بناءً على تشبيهِ الحرارةِ الغريزيةِ بحرارةِ النارِ، وانطفائِها بخمود النار، على الاستعارة بالكناية، أي: خمدوا كما تَخمد النارُ، وذلك أنَّ الروحَ عند الفَزَع الشديدِ تتحرَّك مع الدمِ إلى الباطنِ دفعةً دفعةً، فتختنق مِن شدَّة الانحصار والاجتماع، فتنطفئ.

* * *

(٣٠) - ﴿يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾.

﴿يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ﴾ الحسرة هي بلوغُ النهايةِ في التلهُّف حتى يبقى القلبُ حَسيراً لا موضعَ فيه لزيادةِ التلهُّف، كالبصيرِ الحسير الذي لا قوَّةَ فيه للنظر، والبعيرِ الحسير الذي لا قوَّة له على المسير، وهذا نداءٌ على الحسرة عليهم، كأنَّها قيل لها: تعالي يا حسرةُ فهذه من الأحوال (٢) التي حقُّك أنْ تَحضُري فيها، وهي ما دلَّ عليه: ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾.


(١) قرأ بها أبو جعفر. انظر: "النشر" (٢/ ٣٥٣).
(٢) في (ف) و (ك): "الأفعال".