للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(٢٧) - ﴿بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾.

﴿بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي﴾ (ما) مصدرَّية؛ أي: بغفران ربِّي لي، أو موصولة؛ أي: بالذي غفرهُ لي مِن ذنبي، ويحتمل أن تكون استفهاميَّةً؛ أي: بأيِّ شيءٍ غفرَ لي ربِّي؟ على الأصل مع أنَّ الأكثرَ حذفُ الألف، تقول: قد علمتُ بما صنعتَ هذا؟ أي: بأيِّ شيءٍ صنعت، والأكثر: بِمَ صنعت؟

تمنَّى أنْ يَعلمَ قومُه بأنَّه غُفرَ له بإيمانه؛ فيَرغبوا في الإيمان، وهذا مرتبةُ أولياءِ اللهِ تعالى، يريدون الخير بمَن أراد بهم الشَّرَّ، ويتمنَّون أنْ لا يكون لله تعالى عاصياً.

﴿وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ بإعطاءِ المنزلةِ الرفيعةِ في الجنَّة، دلَّ ذلك (١) على أنَّ الجنَّةَ مخلوقةٌ، وعلى أنَّ القبرَ روضةٌ مِن رياضِها، أو حفرةٌ مِن حُفَرِ النيران.

* * *

(٢٨) - ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ﴾.

﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ﴾: مِن بعد واقعته ﴿مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ﴾ استحقارٌ لإهلاكهم، وإيماءٌ إلى تعظيمِ رسولِ الله ؛ أي: كُفينا أمرَ إهلاكهم بصيحةٍ واحدةٍ مِن مَلَكٍ، وما أَنزلنا عليهم جنداً مِن الجنود السماويَّة كما فَعَلنا يومَ بدرٍ والخندقِ.

﴿وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ﴾ وما صحَّ في حكمتنا أنْ نُنزِل؛ لأنَّ إنزالَ جنودِ السماء مِن معظَّماتِ الأمور التي لا يُؤهَّل لها إلَّا مثلُك، وقد أهلكَ اللهُ تعالى كلَّ أمَّةٍ بسببٍ تقتضيه حكمته، ولم يُنزل جنودَ السماءِ لانتصارِ أحدٍ مِن الأنبياء إلَّا لانتصارِ محمَّدٍ ؛ لكرامته عند اللهِ وتفضُّله على سائرِ الأنبياء، وإلَّا لكان يكفي في نصرته مَلَكٌ واحدٌ.


(١) "ذلك": ليست في (م).