للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي الإشارة بـ (هذا) في المواضع الثلاثة تحقيرٌ دالٌّ على جراءتهم على اللّهِ تعالى ورسولِه وكتابِه ورسالاته (١)، فلهذا قُوبِلت بما يدلُّ على غضبٍ شديدٍ، وإنكارٍ عظيمٍ، وتعجيبٍ مِن كفرهم بليغٍ، بإيقاع الموصول والصلة موقع الضمير في قوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، وتعريف (الحقِّ)، وإيرادِ ﴿لَمَّا﴾ الدالَّة على مبادهتهم (٢) بالكفر، وتسميةِ الحقِّ النَّيِّر بالسحر البَيِّن.

* * *

(٤٤) - ﴿وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ﴾.

﴿وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا﴾: يَقرؤونها وفيها (٣) دليل على صحَّة الشركة أو أمرٌ به، وقرئ: (يُدَرِّسُونها) (٤)، مِن التدريسِ؛ وهو تكريرُ الدرس، أو للتكثير؛ مِن دَرَسَ الكتابَ ودَرَّسَ الكتبَ، و: (يَدَّرِسونها) بتشديدِ الدَّالِ (٥)؛ يَفتعلون مِن الدَّرْس.

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ﴾ يَدعوهم إليه، ويُنذرهم العقابَ على تركه، وقد بَانَ مِن قبلُ بالبرهانِ وجهُ بطلانِه، فمِن أين وقعت لهم الشبهة؟! وهذا غايةٌ في تجهيلهم وتسفيهِ رأيهم.

ويجوز أن يكون معناه: أنَّهم، قوم جُهَّالٌ أُمِّيُّون لا كتابَ لهم ولا نبيَّ، نشؤوا على طباعهم الجاسية في الجاهلية، لا تَثَبُّتَ لهم بوجهٍ ولا تمسُّكَ بشبهة، كقوله: ﴿أَمْ


(١) في (ك): "ورسالته".
(٢) أي: مسارعتهم؛ لأن (لما) تفيد وقوعهما في وقت واحد دون فاصل. انظر: "حاشية الشهاب" (٧/ ٢٠٩).
(٣) أي: في الكتب. انظر: "حاشية الشهاب" (٧/ ٢٠٩).
(٤) انظر: "البحر المحيط" (١٧/ ٤٦٥).
(٥) نسبت لأبي حيوة. انظر: "المختصر في شواذ القراءات" (ص: ١٢٢).