فإنْ قلْتَ: الظَّاهر مِن هنا أنَّ سليمان ﵇ كان عالمًا بلسان غير الطَّيرِ مِن الحيوانات، فما وجهُ تخصيصه بالذِّكر في مَقامِ إظهارِ الشُّكرِ على ما آتاه الله تعالى مِن جلائل النِّعم؟
قلْتُ: قد أجابَ الشَّعبيُّ عن هذا حيث قال: كانَ للنَّملةِ جناحان، فصارَتْ مِن الطَّيرِ، فلذلك علمَ سليمانُ مَنطقَها، ولولا ذلك لَمَا علمَه (١).
﴿وَقَالَ﴾ سائلًا توفيقَ شكر تلك النِّعم الجليلة:
﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ﴾؛ أي: يسِّرْ لي الشُّكرَ وازِعًا إيَّاه، ووزعُ الشُكر كنايةٌ عن وزعِ مُوجبِه وهو النِّعمة، فهو كلام في غاية الفصاحةِ.
﴿نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ﴾ و أدرجَ فيه ذكر والديه تكثيرًا للنِّعمةِ.
﴿فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾ بدأَ أوَّلًا بنفسه، ثمَّ قال: ﴿أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾ قرينُه: أحادَ بصري عنه بسببٍ؟ ولَمَّا كانَ المذكور في قوَّته نُزِّلَ منزلَتَهُ، وعُطف عليه على سبيل العطف من جهة المعنى، وكأنَّ الغالب على ظنِّه هذا الاحتمال، على ما دلَّ عليه عبارة ﴿كَانَ﴾، فلذلك قال: