والهمزةُ للتَّقرير والتَّوبيخ؛ أي: أبعدَ وضوحِ آياتي المتلوَّة عليهم لم يتدبَّروه؟! و ﴿أَمْ﴾ في قوله: ﴿أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ منقطعةٌ؛ أي: عدم تدبُّرهم أجاءَهم ما لم يأتِ آباءَهم الأقدمين مِن كتاب أو رسولٍ أو أَمْنٍ مِن عذابِ الله تعالى فلم يخافوا كما خاف آباؤهم الأقدمون كإسماعيل ﵇ وأعقابه؟!
فالهمزة هذه للإنكار، ويجوز أن يكون المراد بـ ﴿الْأَوَّلِينَ﴾: الذين مَضوا ممَّنْ سبقوهم مِن الأقربين الذين قلَّدوهم، فتكون الهمزة للتَّقرير أيضًا.
﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ﴾ إضراب عَّما ذُكِرَ، وإنكارٌ لعدم معرفتهم إيَّاه؛ لأنَّهم عرفوه بالأمانة والصِّدق، وحسن الخُلُق، وكمال العلم مع عدم التَّعلُّم، إلى غير ذلك مما هو صفة الأنبياء.
﴿فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ تفريغٌ على عدم معرفتهم إيَّاه، فيدخل تحت الإضراب والإنكار.
ولا وجه لِمَا قيل: لأحد هذه الوجوه (١)؛ لأنَّ الآتي بعده مِن جملة الوجوه، فلا وجه للفصل بينها بما ذُكِر.
* * *
(١) يشير إلى البيضاوي الذي قال: ﴿فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ دعواه لأحد هذه الوجوه إذ لا وجه له غيرها). قال الشهاب: قوله: (لأحد هذه الوجوه) المذكورة تعليل للإنكار بوجوه مذكورة في قوله: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا﴾ إلى هنا فإنها وجوه للإنكار ترتب عليها (لا وجه له)؛ أي: للإنكار (غيرها). انظر: "حاشية الشهاب" (٦/ ٣٤٠).