للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لُجين الماء (١)، وحينئذ يتبيَّن وجه إيقاع الإذاقة على اللَّباس، إذ المعنى: فأذاقهم ما غشيَهم من ضرر الجوع والخوف.

وبهذا التَّقرير ظهر وجه إيثار التَّجريد على التَّرشيح؛ لأنَّ الإذاقة تفيد ما لا تفيد الكسوة من زيادة التَّأثير الموجبة لقوَّة الإدراك، وأمَّا إيثار اللِّباس على الطَّعم فللدِّلالة على الشُّمول، وهذا أولى مِن حمل اللِّباسِ على انتقاع اللَّون ورثاثة الهيئة اللَّازمين للجوع والخوف؛ إذ حينئذٍ تكون الإصابةُ أبلغَ موقعًا (٢).

قرئ: (والخوفَ) بالنَّصب (٣)؛ عطفاً على ﴿لِبَاسَ﴾، أو على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه؛ أي: ولباس الخوف.

﴿بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾: بصنيعهم الذي استمرُّوا عليه، جرى هاهنا على ما هو المراد من القرية، وفيما تقدَّم على ظاهره (٤).

* * *

(١١٣) - ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾.


(١) أي: أذاقها الله الجوعَ الذي هو في الإحاطة كاللباس، ومثله ما قيل في: ﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ﴾؛ أي: فصب عليهم ربك عذاباً كالسوط، على معنى: أنواعًا من العذاب مخلوطًا بعضُها ببعض اختلاط طافات السوط بعضها ببعض. انظر: "روح المعاني" (١٤/ ٣٢٣).
(٢) أي: إذا حمل اللباس على رثاثة الهيئة، وتغير اللون اللازمين للجوع والخوف - كما ذهب إليه السكاكي في "مفتاح العلوم" (ص: ٣٧٨) - لا يحسن حينئذ موقع الإذاقة، وتكون الإصابة أبلغ موقعًا، يعني أنه حينئذ استعارة محسوس لمحسوس مثله فتفوت المبالغة التي اختير لأجلها الإذاقة. انظر: "حاشية الشهاب" (٥/ ٣٧٤)، و"روح المعاني" (١٤/ ٣٢٣).
(٣) انظر: "المحرر الوجيز" (٣/ ٤٢٧)، و"البحر المحيط" (١٣/ ٤٧٨).
(٤) في (م): "على ظاهر المجاز".