للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في المفردات المبنيَّة على أفعال (١)، ومَن قال: إنه جمع نَعَمٍ، جعل الضَّمير للبعض؛ فإنَّ اللَّبن لبعضها دون جميعها، أو لواحده، أو له على المعنى؛ فإنَّ المرادَ به الجنسُ.

﴿مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا﴾ الفَرْثُ: فضالة ما يبقى من العلف في الكَرِش، وكثيف ما يبقى من الأكل في الأمعاء.

﴿مِنْ﴾ الأولى تبعيضيَّة؛ لأنَّ اللَّبن بعضُ ما في بطونها، والثانية ابتدائيَّة؛ لأنَّ الإسقاء يبتدئ من مادةٍ مبدؤها الدَّم، ومنتهاها الفضلة التي لا حاجة إليها، بل يجب أن تُدفع كالفَرْث دفعًا للضَّرر عن البدن، أو (٢) من مادة بين الفرث الذي من الفضول المحضةِ والدَّم الذي من الأصول المحضة، فهو بالنِّسبة إلى الفرث أصلٌ؛ لأنَّه لا بُدَّ منه في بقاء النَّسل، وبالنِّسبة إلى الدَّم فضل؛ لأنَّه لا حاجة إليه في بقاء الشَّخص.

وعلى هذا يجوز أن تكون ﴿مِنْ﴾ الثانية أيضًا تبعيضيَّة؛ لأن تلك المادة غير منحصرة في اللَّبن؛ فإنَّ الدَّم الذي يصير غذاءَ الجنين منها، وكذا مادة المنيِّ، وحينئذ يكون المقول المذكور حالًا؛ أي: كائنًا مِنْ بين فرث ودم.

وإنَّما قُدِّم على ﴿لَبَنًا﴾ وهو صفة له في المعنى لأنَّه موضع العبرة، فهو معنًى به جدير بالتَّقديم؛ لكونه حاصلًا من نجس (٣)، وهو في مَعْرِض أن ينقلب إليه؛ لأنَّه إن لم يسبق يخرج من مخرج فضلات الهضم الرابع (٤)، وذلك أنَّ العلف ينهضم فتنجذب صفاوته إلى الكبد ويتولَّد منه الدَّم، ويبقى الفرث في


(١) انظر: "الكتاب" (٣/ ٢٣٠).
(٢) في (م) زيادة: "صح".
(٣) في (م): "جنس".
(٤) فإنَّ الغِذاء يَحصُلُ له في المَعِدَةِ هضمٌ أوَّل، وفي الكَبِد هضمٌ ثانٍ، وفي العروقِ هضمٌ ثالثٌ، وعند وصوله إلى جواهر الأعضاء هضمٌ رابعٌ. انظر: "تفسير الرازي" (١٩/ ١٧٣).