للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على شركهم، وإنكار قلوبهم للوحدانيَّة، وذلك لعدم إيمانهم بالآخرة، فإنَّ الذي لا يؤمن بها لا ينظر في الدَّلائل ولا يتأمَّلها، بخلاف المؤمن بها.

﴿وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾: وهم قومٌ عادتهم الاستكبارُ عن التَّوحيد وعن الإقرار به؛ لِمَا رسخَ في قلوبهم من تقليد آبائهم.

* * *

(٢٣) - ﴿لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾.

﴿لَا جَرَمَ﴾ قد سبقَ تفسيره في تفسير (١) سورة هود.

﴿أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ فيجازيهم على ذلك، وعيدٌ على ما ذُكِرَ على أبلغ وجهٍ، وهو في موضع الرَّفع على الفاعليَّة؛ لأنَّ (جرم) فعلٌ أو مصدرٌ (٢).

﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾ تعليلٌ للوعيد؛ أي: لا يحبُّ كلَّ مستكبرٍ، فكيف


(١) "تفسير" سقط من (ف).
(٢) كذا أجمل هذا الإعراب، وهو محتاج إلى تفصيل، فقوله: (لا جرم) إما مؤول بالفعل، أو مؤول بالمصدر، أو (جرم) وحده فعل، أو هو اسم (لا)، ولكل ذهب قوم: فذهب الخليل وسيبويه والجمهور إلى أنها اسم مركب مع (لا) تركيب (خمسة عشر)، وبعد التركيب صار معناها معنى فعلٍ وهو: حَقَّ، فهي مؤولة بفعل. وأبو البقاء يؤولها بمصدر قائم مقامه وهو: حقًّا. وقيل: (جَرَم) نفسها فعل ماض بمعنى: ثبت ووجب، و (لا) نافية لكلام مقدر تكلم به الكفرة كقوله سبحانه: ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [القيامة: ١] على وجه. و ﴿أَنَّ﴾ وما بعدها على هذه الوجوه في تأويل مصدرٍ مرفوع. وذهب الزجاج إلى أن (جرم) فعل أيضا لكن بمعنى: كسب، وفاعلها مستتر يعود إلى ما فهم من السياق، و (لا) كما في القول السابق، و ﴿أَنَّ اللَّهَ .. ﴾ منصوب على المفعولية لـ (جرم)، وقيل: إنه خبر (لا) حذف منه حرف الجر و (جرم) اسمها، والمعنى: لا صدَّ أو لا منع في أن الله يعلم .. إلخ. انظر: "روح المعاني" (١٤/ ٧٤).