ولا دلالةَ في الآية على خلودِ الفُسَّاقِ من أهل القِبلةِ في العذاب؛ لأنَّ الفائزَ بمطلوبهِ في الآخرة مَن زُحْزِحَ عن النَّار وأُدْخِلَ الجنَّةَ، فالمعذَّبُ بالنَّار وإنْ لم يُخلَّدْ فيها غيرُ مفلِحٍ.
نَعَم، لو قيل: إنَّ فيها دلالةً على أنَّ الفاسقَ - بل تاركُ الصَّلاة - وإنْ كان تائِباً لا بدَّ له مِن العذاب = لاحْتِيْجَ في جوابه إلى أنْ يقال: إنَّ المرادَ بالمُفْلحِينَ: الكاملون في الفَلاح.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ لمَّا أنجزَ الكلامَ في تقرير ما سيْقَ له إلى ذِكْر خاصَّةِ عِباده وخُلاصةِ أوليائه بصفاتهم التي أهَّلتُهم للهُدى والفلاح، قفَّى على أثرِهِ بذِكْرِ أضدادِهم، وهُم العُتاةُ المَرَدَةُ من الكفَّار المطبوعِ على قُلوبهم، بحيثُ لا ينجعُ فيهِم الهُدى، ولا يَجري إليهم اللُّطفُ والدَّعوةُ والإنذارُ، وإنَّما فصَل بينهما لتَباينِهِما في الغرض، فإنَّ الأُولى سيْقَت لبيان شأنِ الكتابِ، والثانيةَ سوقُها لشرح تمرُّدهِم وانهماكِهم في الضَّلال.
والتأكيدُ بـ (إنَّ) لأنَّ الخبرَ قد بَولِغَ فيهِ، وعُلِّل بما عسى أنْ يُستنكَرَ ويُستَبْعَدَ.
والتعريفُ للإشارة إلى أُناس معهودِينَ؛ أَخرجَ ابنُ جريرٍ وغيرُه بسنَدٍ صحيح عن ابنِ عبَّاسٍ ﵄: أنَّ المرادَ به الكفارُ من اليهود خاصَّةً (١).
وهو الظاهرُ بقرينةِ إيلاءِ المؤمنينَ من أهل الكتابِ، ولأنَّ السُّورةَ مدنيَّةٌ وأكثرُ الخِطاب فيها لليهود.