للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لا بتبَعيَّةِ إحداهما للأُخرى، ولو انفردتْ إحداهما لكفَتْ في تفوُّقهم بالكمال وإنافتِهم على غيرهم.

وتوسيطُ العاطفِ لتناسُبِهِما في الوجود حيثُ كان أحدُهما علةً للآخَرِ، وتغايُرِهما في المعنى المقصودِ، فإنَّ الهدى حاصل في الدُّنيا والفلاحَ في الآخرة، فالجملتانِ متوسِّطتانِ بين كمال الاتِّصال وكمالِ الانقطاعِ، بخلافِ ﴿كَالْأَنْعَامِ﴾ و ﴿الْغَافِلُونَ﴾ فإنَّهما شيءٌ واحدٌ بحسب المقصودِ والمآلِ، وإنْ تعدَّدا بحسب اللَّفظ والمفهومِ (١).

﴿هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (هم) فصلٌ يفصِلُ الخبرَ عن الصِّفة، وُيؤكِّد النِّسبة، ويُفيد اختصاصَ المسنَدِ بالمسنَد إليهِ، أو مبتدأٌ و (المفلِحون) خبرُهُ، والجملةُ خبرُ (أولئك).

والمفلحُ: الظافرُ بمطلوبه، والفلاحُ: الخيرُ المقطوع، ومنه يقال: الفلَّاحُ، للمُكاري والأكَّارِ؛ لقَطْعِهما الأرضَ في الكِراءِ والكرابِ (٢).

وفي المثَلِ: (الحديدُ بالحديد يُفْلَحُ) (٣)؛ أي: يُقْطَعُ ويُصْلَحُ.

والتعريفُ للدَّلالة على أنَّ المتَّقينَ هم الناسُ الذين بلغكَ أنَّهم المفلِحونَ في الآخرة، أو الإشارةِ إلى ما يَعرفُه كلُّ أحدٍ من حقيقة المُفلِحينَ وخصوصيَّاتِهم.


(١) يعني أن ﴿كَالْأَنْعَامِ﴾ و ﴿الْغَافِلُونَ﴾ في قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ وإن اختلفا مفهوماً فقد اتحدا مقصوداً، إذ لا معنى للتشبيه بالأنعام إلا المبالغة في الغفلة، فالجملة الثانية مع مشاركتها للأولى في المحكوم عليه مؤكدة لها فلا مجال للعطف. انظر: "حاشية الشهاب الخفاجي على البيضاوي" (١/ ٢٤٩ - ٢٥٠)، و"روح المعاني" (١/ ٣٧٧).
(٢) الكراب: إثارة الأرض للزرع. انظر: "القاموس" (مادة: كرب).
(٣) انظر: "مجمع الأمثال" (١/ ١١)، و"المستقصى" (١/ ٤٠٣).