للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإنْ كان المرادُ مجموعَ القرآن والشريعةِ فمَبْناه على تنزيلِ المترقَّبِ منزلةَ النّازلِ؛ لتحقُّق وقوعهِ، أو لارتباطِ بعضهِ ببعضٍ كالشَّيء الواحد، ونظيرهُ قولكَ: كلُّ ما خطَب به فلانٌ فهو فصيحٌ، ولا تريدُ به الماضيَ فقطْ بل الآتي أيضاً، أو تغليبِ (١) النَّازلِ على ما لم ينزلْ.

وفي ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ إشارةٌ إلى أنَّ القرآنَ غيرُ متفاوِتِ الأبعاضِ في البلوغِ إلى حدِّ الإعجازِ، فمَن آمنَ ببعضِه يؤمِنُ بكلِّه لا محالةَ.

والعدولُ عن صيغة الماضي إلى المستقبل لِمَا فيهِ مِن الحدوث والتَّجدُّدِ المتضمِّنِ للإشارة إلى أنَّ إيمانَهم بما أُنزل إليه يَتجدَّدُ بحسب تجدُّدِ نزولِ الآيات والأحكامِ، وإلى أنَّ إيمانَهم بما أُنزل مِن قبلِه إيمانٌ حادثٌ لا إيمانٌ ثابتٌ؛ لأنَّ إيمانَهم السابقَ إنكارٌ له في الحقيقة لا تصديقٌ به.

وقدَّم الإيمان بما أُنزل إليه لأصالَتهِ، حيثُ كان صحةُ إيمانهم بما أُنزل من قَبله في ضِمن الإيمان بما أُنزل إليه وسببِه، ولهذه النُّكتةِ لم يُكرَّر الباءُ في قوله:

﴿وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ كما كرِّر في: ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [البقرة: ٨] والمراد بذلك: ما أنزل على الأنبياء الذينَ كانوا قبلَ محمَّدٍ عليه وعليهم السَّلام، والإيمانُ به واجبٌ إجمالاً؛ لأنَّ الله تعالى ما تعبَّدَنا الآنَ به حتى يُلزمَنا معرفَته تفْصيلاً.

نَعم إنْ عرفنا شيئاً من تفاصيلهِ فهناكَ يجب علينا الإيمانُ بتلك التفاصيلِ.

﴿وَبِالْآخِرَةِ﴾ تأنيثُ الآخِرِ، صفةٌ للدَّارِ كما في قوله تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ﴾ [القصص: ٨٣]، أو النَّشأةِ كما في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ﴾ [العنكبوت: ٢٠]، سمِّيت بذلك لأنَّها متأخِّرةٌ عن الدُّنيا أو النَّشأةِ الأُولى زماناً.


(١) عطف على (تنزيل) في قوله: (على تنزيل المترقب … ).