للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لأنَّا نقول: الظاهر من قوله (١): (فنزلت) إنَّما هو التَّعقيب بلا تراخٍ (٢).

وإنما قال: ﴿لِلْمُشْرِكِينَ﴾ دون: الكافرين؛ لأنَّ منهم مَن هو معذور؛ كالذي لم تبلغه الدَّعوة، فلا نهي عن الاستغفار لهم.

وذكر الكلبي: أنَّ النَّبيَّ زارَ قبر أمِّه في ألف فارس وهو يريد أن يستغفرَ لها، فلمَّا قام عند قبرها فإذا هو بجبريل ، فوضع يده على صدره، وتلا هذه الآية، فبكى النبي وبكى المسلمون، فما رؤي يومًا (٣) أشد باكيّا من يومئذ (٤).

﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ لا بموتهم على الشِّرك خاصَّة، بل به وبنزول الوحي فيه، فلا يختصُّ النَّهي بالذين ماتوا على الشرك، وإنما قال: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ﴾ لعدم المنع عن الاستغفار قبل ذلك؛ لأنَّه طلب التَّوفيق للإيمان اقتضاء، ومَن قال بحجيَّة المفهوم اتخذه دليلًا على جواز الاستغفار للأحياء من الكفار مطلقًا.


(١) في (ك): (قول)، وفي (م): "قول الراوي".
(٢) ويمكن أن يقال: إن الفاء للسببية لا للتعقيب، يعني أن قوله: (فنزلت) لا يراد به أن النزول كان عقيب القول، بل يراد أن ذلك سبب النزول. انظر: "روح المعاني" (١٠/ ٥٣٩).
(٣) "يومًا" من (م).
(٤) لم أقف عليه بهذا السياق، والكلبي كذاب متروك، لكن روى مسلم (٩٧٦) من حديث أبي هريرة قال: زار النبي قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، فقال: "استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت". وليس فيه أن الآية نزلت في ذلك، لكن روي عن ابن مسعود نحو هذه القصة على أنها سبب نزول الآية، رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (٦/ ١٨٩٤)، والحاكم في "المستدرك" (٣٢٩٢)، والبيهقي في "الدلائل" (١/ ١٨٩).