للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد استُدِلَّ بهذه الآية على انتساخِ الكتابِ بالسُّنَّة؛ لأن عبارتها وإن كانت ساكتة عن عدم محرَّم آخر، لكنَّ دلالتها ناطقةٌ بأنْ (١) لا محرَّم غير هذه، وليس فيها توقيت، فلمَّا زيدَ محرَّم آخر بالسُّنَّة انتسخَ حُكْمُ تلكَ الدِّلالة.

* * *

(١٤٦) - ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾.

﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾ قال ابن عباس وجماعةٌ: هي (٢) ذواتُ الظِّلف كالإبل والنَّعام، وما ليس بذي أصابع منفرجةٍ كالبطِّ والإوزِّ ونحوهما (٣). واختاره الزَّجَّاج (٤).

وفي قوله: ﴿حَرَّمْنَا﴾ تكذيبٌ لليهود في قولهم: إن الله تعالى لم يحرم علينا شيئًا، وإنما حرَّمنا على أنفسنا ما حرَّمه إسرائيل على نفسه.

﴿وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ﴾ عطف على ﴿كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾، وقوله: ﴿حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا﴾ تبيين للمحرَّم منهما، ولا بدَّ من الإضافة للرَّبط.

وفي الإجمال ثمَّ التَّفصيلِ زيادةُ تقريرٍ وتأكيدٍ، ولولا القصد إلى ذلك لكان الظَّاهر أنْ يُقالَ: وشحومَ البقر والغنم، أو يقال: ومن البقر والغنم الشحومَ، والمعنى:


(١) في (ك): "بأنه".
(٢) في (ف) و (ح): "من".
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" (٩/ ٦٣٨ - ٦٣٩) عن ابن عباس وجمع من التابعين.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج (٢/ ٣٠١).