ثم قال لابن زكريا: قبل كل شيء فما رأيت أحمق منك، فقال له ابن زكريا: ليس هذا من خلقك وأنت موصوف بالحلم وحسن الأدب، فقال له أبو القاسم رحمه الله: أنا أبين لك ذلك، أنت رجل تنكر ما يقوله المسلمون وأهل الشرائع/ في الربوبية والنبوات وتراه جهلا، وهم يرون ما أنت فيه كفرا يحل دم من ذهب اليه ورآه، وأنت بينهم وهم معك وحولك في ألوف فراسخ، وأنت تبدي ذلك وتناظر فيه ولست تحسب الأجر والثواب في المعاد ولا في العاجل على ذلك لأنك لا ترى بالمعاد والجزاء، فهذه واحدة. وأخرى، أنك تدعي صحة الكيمياء، وأنك تجعل الحجر والمدر ذهبا وفضة، ولك في ذلك كتب تنكر على من أنكر ذلك وكذّب به، ومع هذا فقد خاصمتك امرأتك في نفقتها ونفقة ولد لك وأحوجتها إلى أن رفعتك إلى الحكام ليفرضوا عليك كما يفعل ذلك بأفقر الناس وأقلهم حيلة، فهذه ثانية. وأخرى، أن ينصرك من الضعف، ويعينك من المرض اللازم ما هو بيّن، وأنت تدعي علم الطبائع ولك حذق في الطب والتقدم فيه والازراء على من تقدمك من الأطباء، كابن ماسويه وغيره، وعلى أطباء أهل زمانك، فكان من عذر الرازي في سقم بصره حبّه الباقلاء وكثرة أكله له، وأنه يفضله على اللوز، وأنه أطيب منه، ثم من بعد هذا نزل الماء في عيني الرازي هذا وعمي، وكان يجيء بمن يقدح الماء منه ويجيء بمن عمي من نزول الماء في عينه فيستوصفهم كيف عموا، ومتى نزل الماء في أعينهم، وما كانت أغذيتهم، ويجيء بمن يقدح الماء من عيونهم عنده ويدبرهم على أحوط ما يكون في ذلك ليجرب وينظر كيف الأثر في ذلك. وكد وبذل وجمع الأطباء فما رجع عليه بصره، ومات أعمى. وقد كان يعرض له من وجع أذنه ما يقلق القلق العظيم، ويمنعه النوم والقرار، ويتداوى بكل ما ذكره المتطببون في ذلك وهو على كل حال/ يتقدم في صنعة الطب،