وهذا مقام لا يقومه عاقل، فتعلم بدلالة عقلك أنه قد توعدهم بأنهم إن باهلوه نزلت بهم النقمة وأنهم لا ينصرفون من ذلك المقام إلا وقد بان أمرهم لأن الملاعنة لا يعجز عنها أحد، ولو لم يكن إلا الملاعنة وحدها لأجاب إليها القوم ولكان فيها كل فائدة ورغبة، فتعلم بدلالة عقلك أنهم هربوا منها للبوار الذي توعدهم به. ومما يدلك من طريق عقلك أنه قد توعدهم في المباهلة بنزول العذاب امتناعهم منها وفرارهم، ويدلّ أيضا أنه لو لم يكن إلا الملاعنة لما كان لإحضار النبي صلّى الله عليه وسلم من يعينه من قراباته دون سائر الناس ذلك الموضع معنى ألا ترى أن الذين حضروا ذلك الموضع ولده وولد ولده ومن يجري مجرى ذلك، فإن الصهر ولد ويعز فقده على العاقل، لا سيما وهو ابن عمه؛ فأحضر أمسّ الأرحام وأشدهم عليه فقدا، وقد قال لهم:«تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ»«١» فإن لم يكن إلا اللفظ بالملاعنة فما وجه هذا القول وإحضار الولد، فمن تأمل ذلك شهد عقله بأنه عليه السلام قد توعدهم عند المباهلة بالاستئصال ونزول النقمة، وإن كان المتأمل لا يعرف لفظ الخبر كما يعلم إذا فكّر في قوله عز وجل:«وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ» أنه قد وعدهم بذلك قبل أن يكون، وأنه قد وفى لهم بما وعدهم وإن لم يعرف عين الخبر ولا لفظه، لأنه لا يسوغ أن يقول رئيس قوم لهم إني/ قد كنت وعدتكم بكذا وتمنيتم كذا وهو يعلم أنهم يعلمون أنه قد كذب في ذلك كله؛ ولهذا قالت العلماء في قول عمر على المنبر متعتان كانتا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما: إن تحريم المتعة قد قد تقدم من رسول الله صلّى الله عليه وسلم فعرفه عمر والمهاجرون والأنصار، وإلا لم يكن عمر ليقوم هذا المقام على منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويحضره أصحابه والذين بهم عز