في القرآن ومن القرآن، ومنه صنفت كتب الكلام بما في العقل من ذلك، وقد تقدم لك في كتاب «المصباح» قطعة منه:.
وقد طعن أبو عيسى الوراق وابن الراوندي في قصة المباهلة أنها مشاتمة وأن القوم رفعوا أنفسهم عنها، وقال: وقولكم إنه قال لهم: إن باهلتموني نزلت بكم النقمة، ليس هذا في الكتاب وإنما هو حديث من أحاديثكم.
قيل لهم: هم كانوا يلعنونه ويشتمونه ويبالغون في ذلك وفي شتم أصحابه ولعنهم ويطلبون نفسه بغير حجة، ويرحلون إلى الملوك ويستفرغون الوسع في ذلك، فمتى رفعوا أنفسهم عن هذا. ولكن لما لم يجد هؤلاء في آياته صلّى الله عليه وسلم مطعنا وقد بذلوا جهدهم عدلوا إلى المباهنة والمكابرة؛ وليست المباهة كما ظنوا «١» ، وذلك لجهلهم باللغة كما جهلوا صنعة الكلام. فإن المباهلة في اللغة تجري مجرى المخاطرة والمبايعة والمراهنة التي يكون صاحبها يؤول أمره فيها: إما إلى الظفر، وإما إلى الفضيحة والعطب. وهو لفظ مشتق من الباهل وهي الناقة المخلوع عنها صرارها وهو ما يصر به ضرعها، أي يشد، لئلا ترضع ولا تحلب، فإذا نزع عنها ذلك الصرار فهي باهل، أي متروكة، فمن أراد حلبها نال ذلك منها، وفي الخبر عن امرأة من العرب أنها قالت لزوجها: منحتك مأدومي، وأبثثتك مكتومي، وأتيتك باهلا غير ذات صرار.
فقد علمت ثقة رسول الله صلّى الله عليه وسلم بربه وسكونه إلى ما يوحى اليه، وإلا لم يكن ليقوم هذا المقام في أن الكاذب يعجل الله له خزيه وينزل به نقمته/ لأن هذا القول عليهم سهل، فكان لا يأمن أن يجيبوا إلى ذلك فلا ينزل بهم عقاب فتكون الفضيحة. وكان أيضا قد مكنهم من شتمه ولعنه في وجهه وبحضرة أصحابة