الرافضى* وفى سنة سبع وأربعين ومائتين مات أبو عثمان المازنى النحوى صاحب التصريف وأمير المؤمنين المتوكل على الله جعفر بن المعتصم وكان المتوكل بايع بولاية العهد ولده المنتصر محمدا ثم انه أراد ان يعزله ويولى ولده المعتز لمحبته لامّه قبيحة فسأل المتوكل ولده المنتصر أن ينزل عن العهد لاخيه المعتز فأبى المنتصر فغضب المتوكل عليه وصار يحضره المجالس العامّة ويحط منزلته ويهدّده ويشتمه ويتوعده ثم اتفق انّ الترك انحرفوا على المتوكل لكونه صادر وصيف التركى وبغا فاتفق الاتراك حينئذ مع المنتصر على قتل أبيه المتوكل ودخلوا عليه وهو فى مجلس أنسه وعنده وزيره الفتح بن خاقان بعد أن مضى من الليل ثلاث ساعات* وفى دول الاسلام نصف الليل وهجم باعز ومعه عشرة وقصد السرير فصاح الفتح ويلكم مولاكم وتهارب الغلمان والندماء على وجوههم وبقى الفتح وحده والمتوكل قد غرق فى السكر والنوم وبقى الفتح يمانعهم عنه فضرب باعز المتوكل بالسيف على عاتقه فقدّه الى خاصرته فصاح المتوكل ثم بعج الفتح آخر بالسيف فأخرجه من ظهره وهو صابر ثم طرح الفتح نفسه على المتوكل فماتا ولفا فى بساط وكان قتل المتوكل فى ليلة الاربعاء ثالث أو رابع شوّال سنة سبع وأربعين ومائتين فى القصر الجعفرى الذى بناه المتوكل ودفن به ووزيره الفتح وكانت خلافته أربع عشرة سنة وتسعة أشهر وتسعة أو ثمانية أيام ومات وعمره احدى وأربعون سنة وتخلف بعده ابنه المنتصر ولم تطل دولته ولا متع بالملك*
[(ذكر خلافة المنتصر بالله محمد بن المتوكل جعفر ابن المعتصم محمد بن الرشيد هرون بن المهدى محمد بن أبى جعفر وقيل أبى عبد الله)]
* وأمّه أمّ ولد رومية اسمها حبشه* صفته* كان أعين أقنى أسمر مليح الوجه ربعة كبير البطن مهيبا منصفا فى الرعية مالت اليه القلوب مع شدّة هيبتهم بويع بالخلافة بعد قتل أبيه* قال الذهبى تسلم الخلافة صبيحة قتل والده المتوكل فلم تطل دولته ولم يمتع بالخلافة وهو أوّل من عدا على أبيه من بنى العباس كما ان يزيد بن الوليد الاموى أوّل من عدا على أبيه كذا قاله ابن دحية وشيرويه بن كسرى عدا على أبيه وقد جرت عادة الله أن من عدا على أبيه لا يبلغه سؤلا ولا يمتعه بدنياه الا قليلا فلم يقم المنتصر بعد أبيه الا ستة أشهر كذا فى سيرة مغلطاى وقيل انه كان يقول يابغا أين أبى من قتل ابى ويسب الاتراك ويقول هؤلاء قتلة الخلفاء وعلى هذا لا يكون المنتصر تواطأ على قتل أبيه انتهى* ولما سمع بغا الصغير ذلك من المنتصر قال للذين قتلوا المتوكل ما لكم عند هذا رزق فهموا به وعجزوا عنه لانه كان مهابا شجاعا فطنا متحرّزا فتحيل عند ذلك الاتراك الى أن دسوا الى طبيبه ابن طيفور ثلاثين ألف دينار عند مرضه فأشار بفصده ففصد بمبضع أو قال بريشة مسمومة فمات فيقال ان ابن طيفور المذكور نسى ومرض فأمر غلامه ففصده بتلك الريشة فمات أيضا* وقال بعضهم بل حصل للمنتصر مرض فى أنثيبه أو معدته فمات بعد ثلاث ليال وقيل مات بالخوانيق أى الذبحة وقيل سم فى كمثراة بابرة لانه كان يسيئ على العيال ويبخل فسمه بعضم وكان المنتصر يتهم بقتل أبيه* يحكى انه نام يوما ثم انتبه وهو يبكى فجاءته أمه فقالت يا بنى لا أبكى الله لك عينا فقال اذهبى عنى ذهبت عنى الدنيا والاخرة رأيت الساعة أبى فى النوم وهو يقول ويحك يا محمد قتلتنى لاجل الخلافة والله لامتعت بها الا أياما يسيرة ثم مصيرك الى النار فلم يعش بعد ذلك الا أياما قليلة* وذكر على بن يحيى المنجم انّ المنتصر جلس مجلس اللهو فرأى فى بعض البسط دائرة فيها رأس عليه تاج وحوله كتابة فارسية فطلب المنتصر من يقرأ ذلك فأحضر رجل فنظر فيها ثم قطب فقال له المنتصر ما هذه قال لا معنى لها فالح عليه فقال فيها انا شيرويه بن كسرى ابن هرمز قتلت أبى فلم أمتع بالملك الا ستة أشهر فتغير لذلك وجه المنتصر وقام من مجلسه وحاصل الامر ان المنتصر لم يمتع بالخلافة ومات بعد ستة أشهر أو دونها فانه تخلف فى شوّال ومات فى شهر ربيع الاخر