للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَمَّا الْأُولَى فَبِالْخَفْضِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَبِالضَّمِّ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ صَاحِبَ الْجَدِّ لَا يَنْفَعُهُ مِنْكَ جَدُّهُ، أَيْ لَا يُنْجِيهِ وَيُخَلِّصُهُ مِنْكَ جَدُّهُ، وَإِنَّمَا يُنْجِيهِ الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَالْجَدُّ هُوَ الْغِنَى وَهُوَ الْعَظَمَةُ وَهُوَ الْمَالُ.

بَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مَنْ كَانَ لَهُ فِي الدُّنْيَا رِيَاسَةٌ وَمَالٌ، لَمْ يُنْجِهِ ذَلِكَ وَلَمْ يُخَلِّصْهُ مِنْ اللَّهِ، وَإِنَّمَا يُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِهِ إيمَانُهُ وَتَقْوَاهُ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ. وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ. وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» . فَبَيَّنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَصْلَيْنِ عَظِيمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ، وَهُوَ أَنْ لَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ اللَّهُ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَاهُ، وَلَا يُتَوَكَّلُ إلَّا عَلَيْهِ وَلَا يُسْأَلُ إلَّا هُوَ.

وَالثَّانِي: تَوْحِيدُ الْإِلَهِيَّةِ، وَهُوَ بَيَانُ مَا يَنْفَعُ وَمَا لَا يَنْفَعُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ أُعْطِيَ مَالًا أَوْ دُنْيَا أَوْ رِيَاسَةً كَانَ ذَلِكَ نَافِعًا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ، مُنْجِيًا لَهُ مِنْ عَذَابِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ. وَلَا يُعْطِي الْإِيمَانَ إلَّا مَنْ يُحِبُّ.

قَالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ} [الفجر: ١٥] {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} [الفجر: ١٦] {كَلا} [الفجر: ١٧] .

يَقُولُ: مَا كُلُّ مَنْ وَسَّعْتُ عَلَيْهِ أَكْرَمْتُهُ، وَلَا كُلُّ مَنْ قَدَرْت عَلَيْهِ أَكُونُ قَدْ أَهَنْته، بَلْ هَذَا ابْتِلَاءٌ لِيَشْكُرَ الْعَبْدُ عَلَى السَّرَّاءِ، وَيَصْبِرَ عَلَى الضَّرَّاءِ، فَمَنْ رُزِقَ الشُّكْرَ وَالصَّبْرَ كَانَ كُلُّ قَضَاءٍ يَقْضِيهِ اللَّهُ خَيْرًا لَهُ، كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَقْضِي اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ قَضَاءٍ إلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ. وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ: إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ فَشَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ. وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>